مدونة البوابة

لماذا أصبح الشمول المالي أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة للقطاع الزراعي في تونس؟

التحديات والدروس المستفادة من مشاريع التعاون الإيطالي في تونس
السيد أنيس خليفي

السيد أنيس خليفي يشغل منصب قائد فريق في الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي - مقر تونس، مع تخصص في مجال التنمية الاقتصادية. هو مسؤول بشكل خاص عن برنامج دعم القطاع الخاص، مع تركيز خاص على خطوط الائتمان المخصصة للشركات التونسية، التي تُعتبر الأداة الرئيسية للتعاون الإيطالي في تونس. يشرف في هذا السياق على برنامج PRASOC وخطوط الائتمان الإيطالية الأخرى.

يشغل القطاع الزراعي أهمية كبيرة في الاقتصاد التونسي، حيث ساهم بحوالي 10.1% من الناتج المحلي الإجمالي (GDP) في عام 2022. تشمل هذه المساهمة جوانب اقتصادية متعددة وتعتبر حاسمة لاستقرار ونمية البلاد. يوفر القطاع الزراعي فرص عمل لحوالي 14% من القوة العاملة، ويضمن دخلاً مستقراً لحوالي 470,000 مزارع، مما يساعد في الحفاظ على استقرار السكان الريفيين الذين يشكلون 35% من إجمالي سكان تونس. ومع ذلك، وعلى الرغم من أهميته، يواجه القطاع الزراعي العديد من التحديات مثل: الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الوطنية التي تفاقمت بسبب الأوضاع العالمية؛ توَفر الموارد الطبيعية والتكيف مع تغير المناخ؛ تفتت الأراضي الزراعية وتعقيد حالة الحيازة؛ بيئة استثمار غير مواتية؛ صعوبات في الوصول إلى التمويل الخاص والعام؛ مديونية المزارعين، وغيرها.

فهم واقع الاستثمارات الزراعية في تونس اليوم

منذ عام 2018، تراجعت الاستثمارات الزراعية بسبب عدم اليقين الناجم عن عدة عوامل: تغير المناخ والأزمات الاقتصادية والصحية والدولية. أدت التعقيدات الهيكلية والظرفية إلى انخفاض الإنتاجية والدخل، وزيادة تكاليف الإنتاج مقارنة بأسعار البيع، خاصة في القطاعات التي تسيطر عليها الدولة (مثل الحبوب والحليب). يسلط ارتفاع متوسط أعمار المزارعين وطبيعة العمل الزراعي غير المستقرة (85.6% عمال غير نظاميين) الضوء على الجاذبية المحدودة للقطاع.

الحواجز أمام الشمول المالي للمزارعات الشابات وصغار ومتوسطي المزارعين

تواجه المشروعات الزراعية صعوبات كبيرة في الوصول إلى التمويل، خصوصاً بالنسبة لصغار ومتوسطي المزارعين، والشباب، والنساء. يواجه أصحاب المشاريع عدة تحديات رئيسية في الوصول إلى التمويل، وأحد التحديات الكبيرة هو نقص الضمانات الحقيقية، حيث تتطلب البنوك عادةً ضمانات تصل إلى 100-150% من مبلغ القرض. بالإضافة إلى ذلك، تعاني العديد من الأعمال من نقص في رأس المال، مما يعني أنها تفتقر إلى الأموال الخاصة الكافية لضمان التمويل. ومن العقبات الأخرى غياب السجل الائتماني، وهو أمر ضروري لإثبات القدرة على السداد المنتظم. علاوة على ذلك، فإن الإجراءات المطولة للحصول على الإعانات الحكومية تزيد من مشاكل التدفق النقدي، مما يضطر البنوك إلى تقديم قروض جسور. وأخيراً، هناك اعتماد كبير على التمويل الذاتي، حيث يتم تمويل حوالي 50% من الاستثمارات باستخدام أموال شخصية، مما يزيد من تقييد قدرة أصحاب المشاريع على الوصول إلى التمويل الخارجي.

تدهور الموارد الطبيعية: خطر كبير يهدد أسس الاقتصاد الزراعي في تونس

يزيد المستوى المقلق من تدهور الموارد الطبيعية (التربة، المياه، التنوع البيولوجي) نتيجة لتكثيف الزراعة والصيد واستخدام المكينة على مدار الخمسين عامًا الماضية من ضعف النظم الزراعية والصيدية أمام تغير المناخ. يتم بالفعل الشعور بهذه التأثيرات بشكل قوي ومن المتوقع أن تتفاقم على المدى القصير والمتوسط. يهدد هذا الوضع بتقويض أسس الاقتصاد الزراعي في تونس، مما يعرض الأمن الغذائي للخطر ويجعل تحقيق هدف السيادة الغذائية الحقيقية على المدى الطويل أمراً مستحيلاً.

ما الذي يمكن أن يفعله التعاون الإنمائي في تونس لضمان تمويل أكثر شمولاً واستدامة؟

يعد تمويل الاستثمارات الخاصة في القطاع الزراعي من خلال التعاون الإنمائي رافعة أساسية لتعزيز النمو الاقتصادي والحد من الفقر في البلدان النامية. يُبرز مثال خطوط الائتمان الإيطالية، التي تعمل في تونس منذ أكثر من 30 عامًا، عدة دروس مستفادة. 

يُعتبر دعم القطاع الخاص كرافعة للنمو، وخالق للوظائف، ومطور لرأس المال البشري، ومحرك للتكنولوجيا والابتكار أحد أركان التعاون الإيطالي في تونس. منذ عام 1988، موَّل التعاون الإيطالي في تونس عشرة خطوط ائتمان لتطوير الأعمال التونسية، بلغ مجموعها 350.5 مليون يورو و80 مليون دولار. مولت هذه الأدوات حوالي 1,000 عملية استثمارية وخلقت أو دعمت أكثر من 16,000 وظيفة في البلاد. 

نفذت خطوط الائتمان المخصصة للقطاع الزراعي، ضمن برنامج PRASOC الذي بدأ في نهاية عام 2020، بشكل سريع بفضل شروطها المواتية للغاية من حيث معدلات الفائدة، وفترات السداد، وفترات السماح، والعمليات المؤهلة، والإجراءات. يهدف برنامج PRASOC، الذي يبلغ ميزانيته 57 مليون يورو، إلى دعم الاستثمارات الخاصة في قطاعات الزراعة والصيد والاقتصاد الاجتماعي والتضامني. يُكمل هذا القرض التفضيلي البالغ 50 مليون يورو (30 مليون ممول من قبل AICS و20 مليون ممول من قبل Cassa Depositi e Prestiti-CDP) بمنحة شمولية مالية بقيمة 7 مليون يورو لتسهيل الوصول إلى الائتمان، ممولة من موارد AICS.

الدروس الرئيسية المستفادة والتوصيات التي ظهرت من مشاريع التعاون على مر السنين:

 

تطوير أدوات ومنتجات مالية تتكيف مع الاحتياجات المتطورة للمزارعين ومتطلبات المرونة المناخية:

إنشاء أدوات مالية مخصصة لتلبية احتياجات الزراعة في مناطق محددة من تونس. يعاني جنوب تونس بشكل خاص من نقص في الاستثمار وريادة الأعمال بسبب عدة عوامل، بما في ذلك البنية التحتية غير الملائمة التي تعيق التنمية الاقتصادية. تحديات النقل، الاتصال، والوصول إلى الأسواق تحد من فرص الأعمال وتثني المستثمرين المحتملين. بدون بنية تحتية قوية، يصبح من الصعب جذب الأعمال وتعزيز ريادة الأعمال في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المنطقة من نقص في التنوع الاقتصادي، مع الاعتماد التاريخي على الزراعة التقليدية والسياحة مما يحد من فرص النمو. من المهم أيضًا مراعاة العوامل الثقافية والدينية التي قد تؤثر على التردد في أخذ قروض بفوائد.

تعزيز شمولية خطوط الائتمان:

لمعالجة قضية الضمانات واقصاء القطاع غير الرسمي، يُوصى بإنشاء صندوق ضمان مخصص لصغار المزارعين. يمكن لهذا الصندوق أن يعمل كوسيط، يوفر ضمانات للمؤسسات المالية نيابة عن صغار المزارعين الذين لا يمكنهم تقديمها مباشرة. في الوقت نفسه، من الضروري دمج نظام تقييم الأداء الزراعي لتحديد أهلية التمويل، مما يقلل الاعتماد على الضمانات المادية التقليدية. علاوة على ذلك، يُعتبر تنفيذ برامج تدريب وتقديم استشارات مالية محددة لصغار المزارعين في القطاع غير الرسمي أمرًا بالغ الأهمية. يجب أن تكون هذه البرامج مصحوبة بعملية تنظيمية تُمكِّن المزارعين من تبني ممارسات وإجراءات تجعلهم مؤهلين للحصول على قروض من البنوك. يشمل ذلك الاحتفاظ بسجلات محاسبية دقيقة، الامتثال للأنظمة، وتبني ممارسات مالية جيدة.

تعزيز القدرة على الصمود المالي:

لتعزيز القدرة على الصمود المالي للمزارعين، من الضروري إنشاء برامج شاملة للتعليم والاستشارات المالية. يجب أن تهدف هذه البرامج إلى تزويد المزارعين بالمهارات الأساسية لإدارة المالية بشكل فعال، مثل إعداد الميزانية، وتقييم المخاطر، والاستثمار الاستراتيجي. من خلال توفير تعليم مستهدف، يمكن للمزارعين التغلب على عدم اليقين المالي، واتخاذ قرارات مستنيرة، والتخطيط للنجاح على المدى الطويل. هذا النهج الاستباقي لا يساعد فقط في التخفيف من تأثير التحديات الاقتصادية ولكنه يمكّن أيضًا المزارعين من تحسين مواردهم، مما يسهم في النهاية في استقرارهم المالي ونموهم.

تحفيز الاستثمار الخاص المسؤول:

لتحفيز الاستثمار الخاص المسؤول في القطاع الزراعي، من الضروري إنشاء بيئة مواتية من خلال وضع حوافز ضريبية للممارسات المستدامة، وتنفيذ معايير وشهادات شفافة، ودعم الابتكار من خلال التمويل والشراكات بين القطاعين العام والخاص. يُعد تعزيز الأعمال التي تقدم خدمات استشارية، تدريب، والوصول إلى التقنيات الحديثة للمزارعين أمرًا أساسيًا أيضًا، وكذلك تسهيل الوصول إلى البيانات حول التأثيرات البيئية للاستثمارات.

اعتبار آخر مهم: إيلاء أهمية كبيرة لمرحلة صياغة المشروع في التعاون الإنمائي:

يجب إيلاء اهتمام أكبر لهذه المرحلة لتجنب العوائق المستقبلية وضمان استدامة الأعمال. تُعتبر مرحلة صياغة المشروع أساسية لنجاح واستدامة المبادرات. خلال هذه المرحلة، من الضروري وضع أهداف واضحة وقابلة للقياس، وتحديد الموارد اللازمة بدقة، وتقييم المخاطر المحتملة. من المهم أيضًا إشراك الشركاء وأصحاب المصلحة بنشاط، وتقييم التأثير، والتخطيط للاستدامة على المدى الطويل. لسوء الحظ، غالبًا ما يتم تجاهل هذه المرحلة الحرجة بسبب الحاجة الملحة لتقديم مقترحات التمويل للحصول على الموافقة. قد يؤدي الضغط للحصول على الأموال اللازمة إلى التقليل من أهمية صياغة مشروع مفصل ومدروس. ومع ذلك، فإن استثمار الوقت والجهد في هذه المرحلة الأولية أمر حاسم لنجاح المبادرة على المدى الطويل. قد يؤدي تجاهل أو التسرع في مرحلة الصياغة إلى صعوبات في التنفيذ ويعرض استدامة الأعمال للخطر.

الشمول المالي في القطاع الزراعي التونسي أكثر أهمية من أي وقت مضى لضمان مرونة واستدامة هذا القطاع الحيوي. يلعب التعاون الإنمائي دورًا أساسيًا في دعم الشمول المالي في القطاع الزراعي والغذائي من خلال تسهيل الوصول إلى التمويل للمزارعين والمستثمرين. من خلال الاستفادة من الدروس المستفادة واعتماد نهج شاملة ومبتكرة، يمكن للتعاون الإنمائي تعزيز دوره الأساسي في تحويل القطاع الزراعي إلى ركيزة قوية للاقتصاد الوطني، قادرة على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية المتعلقة بالأمن الغذائي والتنمية المستدامة. 

للمزيد من المعلومات حول مشاريع التعاون الإيطالي في تونس:

التعاون الإيطالي في تونس: www.tunisi.aics.gov.it 

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.