مدونة البوابة

عندما تفشل النقود الورقية في التحويلات: اختبار إمكانات العملة المشفرة

إمرأة في سترة منقوشة تجلس أمام حاسوبها وتجري حسابات مالية وعلى الطاولة أمامها كدسات من النقد الورقية والمعدنية.

غالبًا ما يشيد المدافعون عن العملة المشفرة بميزتها الكبيرة على الأموال المادية: القدرة على اجتياز الحدود في نانوثانية دون أي اعتبار للنظم القانونية — تمامًا مثل البريد الإلكتروني. فبالنسبة للأفراد ذوي الدخل المنخفض والمتوسط الذين يعيشون في حالات أزمات حيث تكون المعاملات من وإلى الخارج مقيدة بشدة، هذه القدرة يمكنها جعل العملة المشفرة بديلاً شاملاً للنظام المالي الرسمي.

في الوقت الذي يحاول فيه العالم فهم إيجابيات وسلبيات العملات المشفرة على نطاق أوسع، كشفت العقوبات الواسعة التي فُرضت مؤخرًا على النظام المالي الروسي عن أوجه قصور في القدرة الحالية للعملات المشفرة على تحسين #الشمول_المالي  — فبشكل أساسي، يعيش جميع مستخدمي العملات المشفرة، والبورصات التي يعتمدون عليها، في العالم غير الإفتراضي حيث لا يزال النظام المالي التقليدي مسيطراً.

دفعت عزلة النظام المالي الروسي العملاء إلى البحث عن حلول بديلة

أثارت العقوبات السريعة والواسعة التي فُرضت على البنوك الروسية في شباط/فبراير 2022 ردود فعل متسلسلة. لقد دفعت البنك المركزي الروسي إلى فرض قيود على التحويلات الدولية للحفاظ على احتياطياته من العملات الأجنبية، وفي غضون أسابيع قليلة، أصبح إرسال الأموال من وإلى روسيا شبه مستحيل. على الرغم من تخفيف القيود منذ ذلك الحين، فإن حقيقة عزل العديد من البنوك عن نظام SWIFT وفرض البعض الآخر رسومًا باهظة على التحويلات جعلت تحويل المبالغ الصغيرة باهظ التكلفة، إذا كان ذلك ممكنًا على الإطلاق. ووجد كبار السن والأقل حنكة في التكنولوجيا خصوصاً صعوبة في تحديد أو استخدام بدائل مثل العملات المشفرة. في مواجهة التكاليف المرتفعة والمفاجئة و/أو عدم القدرة على نقل الأموال عبر الحدود، بدأ أولئك الذين استطاعوا، باستبدال روبلهم بالعملات المشفرة، والتي لم تكن عليها قيود في البداية.

حتى قبل العقوبات الواسعة المفروضة على البنوك الروسية، أظهر الروس أنهم منفتحون بشكل ملحوظ على العملات المشفرة، حيث يحتفظ بها ما يصل إلى 12 بالمئة من السكان. في منتصف فبراير/شباط عندما احتشد الجنود الروس على الحدود الأوكرانية، نظرًا لاحتمال حدوث اضطرابات في أنظمة الدفع التقليدية، تضاعف حجم تداول الروبل والبيتكوين في روسيا على منصة Binance — أكبر منصة تداول في العالم. بعد الغزو بلغ حجم التداول ذروته بنحو أربعة أضعاف حجمه التاريخي.

على الرغم من وعوده، إلا أن التشفير لم يمكّن معظم المستخدمين من التحرر من القيود المفروضة على النظام المالي الرسمي

في أبريل/ نيسان، تحت ضغط الغرب الذي اعتبر العملات الرقمية وسيلة للتحايل على العقوبات، أعلنت منصة Binance أنها ستكبح خدماتها في روسيا، من خلال إغلاق حسابات عملائها الرئيسيين في البلاد، وتقييد عروضها للمواطنين الروس أو الشركات الموجودة في روسيا إلى ما يعادل 10000 يورو، بما يتماشى مع عقوبات الإتحاد الأوروبي.

وُضِعَت الآلاف من حسابات العملات المشفرة في حالة السحب فقط، ولم يُسمح بأي عمليات إيداع أو تداول بعد ذلك الحين، وأُعْطي الأفراد والكيانات القانونية الروسية التي تجاوزت أرصدتهم 10000 يورو 90 يومًا لإغلاق مراكزهم. في أوائل شهر مايو/أيار، بسبب الطلب غير المسبوق على خدماتها، علقت Visa وStripe بطاقات الدفع الإفتراضية Bankoff التي كان لا يزال الروس يستخدمونها لتلقي الأموال في الخارج. وكانت تسمح بطاقات Bankoff هذه بعمليات إضافة للعملات المشفرة باستخدام الروبوتات في تطبيقات المراسلة مثل WhatsApp أو Telegram، وربط التشفير ببطاقات الدفع التقليدية.

لكي يصبح التغيير فعالاً في الحياة اليومية للأفراد ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وللأشخاص الذين أفقرتهم حالات الأزمات، يجب أن تكون العملات المشفرة قادرة على تحقيق الأغراض الأساسية للعملة.

العملة المشفرة ليست جاهزة بعد لاعتمادها في السوق على نطاق واسع وهي غير مناسبة بشكل خاص للمستخدمين ذوي الدخل المنخفض

لم تؤثر العقوبات المتعلقة بالأصول المشفرة على الروس غير الخاضعين للعقوبات والذين يمكنهم إثبات إقامتهم خارج البلاد. من الناحية العملية، كانت العقوبات تعني أن الشتات الروسي والمواطنين المزدوجي الجنسية (وكثر منهم من ذوي الدخل المرتفع ويملكون ممتلكات في الخارج) لا يزالون قادرين على التعامل باستخدام العملات المشفرة. وكان العديد من المهاجرين ذوي الدخل المنخفض الذين لديهم حسابات في بلدانهم الأم لا يزالون قادرين على التعامل من خلال نظام الدفع الروسي، مما وسع نطاق وصوله إلى تلك البلدان (من دون حاجة إلى العملات الرقمية).

ومع ذلك، بالنسبة للغالبية العظمى من المواطنين الروس ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، بمن فيهم أولئك الذين كانوا حريصين على تلقي التحويلات المالية لمواجهة ارتفاع الأسعار والبطالة، فقد قصرت العملات المشفرة بكل الطرق. فلم يتم قبولها للحصول على سلع أو خدمات، ولم تكن قابلة للتحويل بسهولة إلى نقود، وكانت محدودة كوسيلة للتحويل والادخار بسبب سقف ال 10000 يورو.

على الرغم من أن 76 بالمئة من المعاملات التي أجراها الروس في العام الماضي كانت رقمية، لم يُسمح أبدًا بمدفوعات العملات المشفرة كوسيلة للدفع، ولذلك لم يتم تطوير النظام البيئي لاستخدامها مطلقًا. وبالتالي، في حين أن العملات المشفرة كانت تحمل بالتأكيد إمكانية التغيير، إلا أنها بقيت مرتبطة إلى حد كبير بالنظام المالي التقليدي، وهذا يحد — ولا يزال يحد — من قدرتها على توفير مزيد من الشمول المالي. 

لكي يصبح التغيير فعالاً في الحياة اليومية للأفراد ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وللأشخاص الذين أفقرتهم حالات الأزمات، يجب أن تكون العملات المشفرة قادرة على تحقيق الأغراض الأساسية للعملة: أي أن تكون مقبولة بشكل عام كوسيلة للتبادل ومخزن للقيمة ووحدة حساب. بلغة أكثر حداثة، يجب أن تكون بمثابة وسيلة دفع للأغلبية. ليس هذا هو الحال بعد بالنسبة للروس أو أي شخص آخر يحاول تحويل المال إلى الخارج أو أي مكان آخر. على الرغم من كونها أداة رائعة للتحويلات، إلا أنه لا يزال من غير السهل الوصول إلى العملات المشفرة  لغالبية السكان ولم تثبت أنها جيدة كمخزن للقيمة إذا لم تكن مرتبطة بعملة مستقرة — ولا يستطيع السكان ذوو الدخل المنخفض تحمل الخسائر في القيمة.

باختصار، لا يزال هناك طريق لنقطعه حتى تتمكن العملة المشفرة أيضًا من خدمة أغراض الأشخاص ذوي الدخل المنخفض أو حتى ذوي الدخل المتوسط.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.