مدونة البوابة

تمويل التكنولوجيا المالية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: فرص واعدة رغم التحديات

من سلسلة قرأنا لكم – بوابة الشمول المالي من أجل التنمية فينديف
فرح عبد الساتر

فرح عبد الساتر، رئيسة تحرير بوابة الشمول المالي من أجل التنمية باللغة العربية. تتضمن مسؤولياتها تطوير وترويج المحتوى، وإدارة الشراكات من أجل المعرفة والتواصل مع المؤسسات الرئيسية، وتنظيم الندوات عبر الإنترنت لممارسي وصناع سياسات الشمول المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لديها مسيرة مهنية تمتد لأكثر من 15 عامًا، في إدارة مشاريع وفرق إعلامية لعدد من وكالات الأمم المتحدة. وشغلت منصب المتحدثة الرسمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وكالة الأمم المتحدة للهجرة (2017-2020). تشمل مؤهلاتها الأكاديمية درجة الماجستير في إدارة وسائل الإعلام من المدرسة العليا للصحافة في ليل (فرنسا) ودرجة البكالوريوس في القانون من الجامعة اللبنانية.

تُلخص هذه المدونة، الصادرة ضمن سلسلة قرأنا لكم، النتائج الرئيسية المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتضمنة بالورقة البيضاء الصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي في سبتمبر، والتي تم إعدادها بالتعاون مع شركة ماكنزي. تستعرض الورقة البيضاء المذكورة اتجاهات تمويل التكنولوجيا المالية العالمية وتستكشف أماكن وجود فجوات التمويل في هذا القطاع.

سلسة قرأنا لكم سلسلة مدونات تقوم بتحريرها رئيسة تحرير البوابة العربية، وتُلخّص أبرز نتائج ومعطيات التقارير الدولية الخاصة بالشمول المالي والتي تكون غالبًا باللغة الإنكليزية.


شهدت التكنولوجيا المالية طفرة هائلة خلال العقد الماضي، مما جعلها محركًا رئيسيًا في إعادة تشكيل النظام المالي العالمي. وتعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جزءًا من هذا التحول الكبير، حيث أصبح قطاع التكنولوجيا المالية محط أنظار المستثمرين والمبتكرين على حد سواء. ولكن رغم النمو الملموس، لا تزال المنطقة تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالتمويل مقارنة ببعض المناطق الأخرى.

نمو قطاع التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

منذ عام 2015، شهد قطاع التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نموًا ملحوظًا، حيث بلغ معدل النمو السنوي المركب 33%، وهو معدل يعتبر من بين الأعلى عالميًا. وفي عام 2023، وصل حجم التمويل في هذا القطاع إلى 1.9 مليار دولار، وذلك عبر 93 جولة استثمارية، بعد أن كان 200 مليون دولار فقط في عام 2019. ومن بين الشركات الرائدة التي ساهمت في هذا النمو الكبير، نجد شركات مثل "تابي" و"تمارا" وMNT-Halan اللاتي حققن مكانة "يونيكورن" (تتجاوز قيمتها المليار دولار ) في عام 2023.

عند النظر إلى توزيع تمويل التكنولوجيا المالية حسب القطاعات الفرعية المُقسمة حسب المنطقة في عام 2023، كانت قروض التجزئة (القروض الاستهلاكية كافة، بما فيها قروض السيارات وقروض الطلاب وقروض التعليم والقروض الاستهلاكية الاخرى) القطاع الفرعي الثاني الأكبر في مجال التكنولوجيا المالية، حيث جذب 4.1 مليار دولار، مع نسبة كبيرة من هذا التمويل موجهة نحو مناطق آسيا والمحيط الهادئ  والشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

تعزى هذه الطفرة في جزء كبير منها إلى الخصائص السكانية الفريدة للمنطقة. فنسبة الشباب المتعلم والمنتشر تكنولوجيًا تعتبر من بين الأعلى في العالم، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات استخدام الهواتف الذكية والإنترنت. هذه العوامل أسهمت بشكل مباشر في زيادة الطلب على الحلول المالية الرقمية التي تقدمها شركات التكنولوجيا المالية.

توزيع غير متساوي لتمويل التكنولوجيا المالية بين مناطق العالم

رغم النمو المذهل الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لا يزال هناك تفاوت كبير في توزيع تمويل رأس المال الاستثماري على المستوى العالمي. منذ عام 2015، تدفقت أكثر من 350 مليار دولار إلى قطاع التكنولوجيا المالية عالميًا، لكن هذا التمويل لم يتم توزيعه بالتساوي عبر المناطق المختلفة. الولايات المتحدة وكندا لا تزالان تحتلان الصدارة في عدد شركات التكنولوجيا المالية، حيث تضم هذه المنطقة حوالي 38% من إجمالي عدد شركات التكنولوجيا المالية العالمية، تليها أوروبا بنسبة 37%.

ومع ذلك، عندما ننظر إلى الفجوة بين التمويل الحالي والإيرادات المستقبلية المتوقعة، نجد أن هناك تباينات ملحوظة بين المناطق. على سبيل المثال، حصلت أوروبا وأمريكا الشمالية على تمويل يعادل 109% و180% من الإيرادات المستقبلية المتوقعة لعام 2028 على التوالي، في حين حصلت منطقة آسيا والمحيط الهادئ (APAC) على 67% فقط، وأمريكا اللاتينية (LAC) على 70%، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على 63%. هذا يشير إلى أن تمويل رأس المال الاستثماري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لم يصل بعد إلى مستوى يعكس إمكانات النمو المستقبلية للقطاع.

دور المستثمرين المحليين والدوليين

يعتمد قطاع التكنولوجيا المالية بشكل أساسي على التمويل من المستثمرين سواء المحليين أو الأجانب. ويعتبر هؤلاء المستثمرون عنصرًا رئيسيًا في دعم الشركات الناشئة، حيث يساهم المستثمرون المحليون بفهم عميق للأسواق المحلية، بينما يجلب المستثمرون الدوليون خبرات عالمية وشبكات علاقات واسعة، مما يساعد الشركات الناشئة في التوسع والنمو.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، شهدنا تحولًا لافتًا في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت حصة المستثمرين المحليين من 10% في عام 2015 إلى 47.5% في عام 2023. هذه الزيادة تعكس النضج الذي شهده السوق الإقليمي، حيث بدأت الشركات المحلية في جذب استثمارات من داخل المنطقة بشكل أكبر.

ولكن على الرغم من هذا التحسن، لا يزال هناك اعتماد كبير على المستثمرين الدوليين، خاصة في المراحل المتأخرة من التمويل. هذا الاعتماد على رأس المال الأجنبي يظهر الحاجة إلى تدفقات مالية أكبر من الأسواق العالمية لدعم نمو الشركات المالية الناشئة في المنطقة.

تحديات وفرص تمويل التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

مع وجود فرص كبيرة أمام قطاع التكنولوجيا المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلا أن هناك العديد من التحديات التي لا يمكن تجاهلها. فالبنية التحتية الرقمية القوية وانتشار الهواتف الذكية والإنترنت تمثلان أسسًا واعدة لتقديم حلول مالية مبتكرة. ومع ذلك، فإن البيئة التنظيمية في بعض دول المنطقة قد تكون عائقًا أمام الشركات الناشئة في الحصول على التمويل اللازم لتوسيع نطاق عملياتها.

إلى جانب ذلك، قد تواجه الشركات صعوبات في التغلب على التعقيدات القانونية والتنظيمية، مما يؤثر على جاذبية المنطقة للاستثمار. لذلك، فإن تحسين السياسات الحكومية وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص يمكن أن يكون عاملاً حاسمًا في تحسين بيئة الأعمال وزيادة جاذبيتها.

سد فجوات تمويل التكنولوجيا المالية: خمسة مسارات استراتيجية

عند مقارنة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ببقية الأسواق العالمية مثل أمريكا الشمالية وأوروبا، يتضح وجود فجوة تمويلية تحتاج إلى المعالجة. ورغم أن المنطقة تشهد نموًا سريعًا، إلا أن حجم التمويل الموجه للتكنولوجيا المالية ما زال منخفضًا مقارنة بالإيرادات المتوقعة.

في المقابل، تتمتع الأسواق الأكثر نضجًا مثل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا بوفرة كبيرة في رأس المال، مما يتيح لشركات التكنولوجيا المالية في هذه المناطق فرصًا أكبر للتوسع والنمو. هذه الفجوة التمويلية تبرز الحاجة إلى جهود أكبر لجذب المزيد من الاستثمارات إلى المنطقة.

الاستثمار في البنية التحتية الرقمية العامة: تسريع تطوير وتنفيذ البنية التحتية الرقمية العامة (DPI) ضروري لسد فجوات التمويل في التكنولوجيا المالية. تشمل هذه البنية الأساسية هويات المستخدمين، أنظمة الدفع، ومشاركة البيانات، مما يفتح آفاقًا جديدة للاستثمار والنمو الاقتصادي.

 

إطلاق إمكانيات البنوك المفتوحة: تمكّن البنوك المفتوحة العملاء من مشاركة بياناتهم المصرفية مع مقدمي الخدمات المالية الآخرين، مما يعزز الشمول المالي ويؤدي إلى تحسين تجربة العملاء وزيادة المنافسة في السوق.

 

تعزيز الوضوح التنظيمي وتشجيع التعاون الإقليمي: تحسين الشفافية في التنظيمات المصرفية يساعد الشركات الناشئة على التنقل بسلاسة في بيئة الأعمال. كما يُعزز التعاون الإقليمي تبادل أفضل الممارسات بين المنظمين، مما يسهل تنسيق الحلول المالية عبر الحدود.

 

تنمية المواهب وتعزيز شبكات الدعم: ضرورة الوصول إلى مواهب ذات مهارات عالية للنمو المستدام في قطاع التكنولوجيا المالية. يتطلب ذلك جذب المواهب الدولية وتطوير قدرات محلية لضمان نمو مستدام.

 

تطوير القدرات التمويلية المحلية: تنويع قاعدة المستثمرين وفتح سبل الوصول إلى تمويل الديون يمكن أن يسهم في تعزيز نمو الشركات الناشئة. كما أن تطوير أسواق الدين المحلية والإقليمية يعزز من قدرة الشركات على التوسع والنمو.

 

على الرغم من التباطؤ الأخير في تمويل التكنولوجيا المالية، هناك أسباب تبعث على التفاؤل بشأن آفاق القطاع على المدى الطويل. تظل الدوافع الأساسية لاعتماد التكنولوجيا المالية قوية، مثل تغير تفضيلات المستهلكين، والتحول الرقمي، والحاجة إلى خدمات مالية أكثر شمولاً وكفاءة.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.