مدونة البوابة

تنظيم الخدمات المالية القائمة على المنصة: رؤية الصورة الكبرى

أشخاص يتنزهون في شارع أسواق في مدينة غزة الفلسطينية.

يتجاوز نطاق الخدمات المالية القائمة على المنصة وحجمها صلاحيات هيئة ناظمة واحدة، لذلك يُعتبر التعاون بين الوكالات ضروريًا. تجمع المنصات بين تأثيرات الشبكات والتقنية وبيانات العملاء في أسواق متنوّعة، ما يستدعي تدخّل الهيئات الناظمة التي تغطي مجموعة واسعة من المجالات مثل الخدمات المالية، والمنافسة، والعمل، وحماية المستهلك والبيانات، والاتصالات، وعدد كبير من القطاعات التجارية. وإذا عملت الهيئات الناظمة المالية بشكل منعزل كما اعتادت عليه في الماضي في إطار المؤسسات المالية والخدمات المالية، سيتم تجاهل الطبيعة المتعددة الأوجه للمنصات ، بما في ذلك المخاطر التي تنشأ خارج المحيط التنظيمي. وبالتالي، كيف يمكن للهيئات الناظمة توسيع منظورها ومراعاة الصورة الكبرى؟

المخاطر والترابطات خارج المحيط

يمكن أن تساعد بعض الأمثلة على توضيح المشكلة. أولاً، يجب مراعاة الأسواق الأساسية التي ترتبط بها الخدمات المالية القائمة على المنصات. يشير قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي (الذي لم يبدأ سريانه بعد) إلى ثمانية قطاعات تشمل "خدمات المنصات الأساسية" مثل محركات البحث، والشبكات الاجتماعية، والأنظمة التشغيلية، والخدمات السحابية. تنشأ الخدمات المالية القائمة على المنصات عندما تقدّم مثل هذه الشركات خدمات مالية للمشاركين كوسيلة لدعم الأسواق الأساسية وبهدف تطوير أعمالها المالية لتصبح خدمة أساسية خاصة بها.

وبعبارة أخرى، تُباع الخدمات المالية من قبل جهات غير مرخّصة (في البداية على الأقل) أو جهات مجازة كمؤسسات مالية. وقد تستحوذ المنصات على مزوّدي الخدمات المالية أو قد تتقدّم بطلب للحصول على التراخيص الخاصة بهم، أو قد تظل خارج نطاق سلطة الهيئات الناظمة المالية من خلال عقد شراكات مع المؤسسات المالية (مثلاً، تمنح المنصة القروض لعملاء التجارة الإلكترونية مقابل رسم بينما يقوم البنك بتقديم قروض وتحمّل المخاطر على ميزانيته العمومية). وهذا يعني أنه قد تتم مقاسمة المخاطر أو تحويلها بين الجهات الشركاء، مما يمنع مزوّدي الخدمات المالية من تحديد مخاطر الإقراض.

يتعين على الهيئات الناظمة ذات الصلة التعاون بشأن الترابطات بين العروض المالية وغير المالية.

ولا بدّ للهيئات الناظمة المالية أن تفهم كيف ترتبط أعمال المنصة في قطاعات أخرى بعروض خدماتها المالية. على سبيل المثال، قد يتم تسجيل المكاسب الناتجة عن الأعمال غير المالية في المنصات على أنها إعانات في سوق الخدمات المالية، وهذا أمر مقلق بشكل خاص عندما تنتج هذه الأرباح عن سلوكيات غير لائقة في السوق. وقد تفرض المنصات التي تقدّم خدمة توصيل الركاب شروط عمل قاسية على السائقين الذين يستخدمون المنصة بهدف توجيه الأرباح الزائدة إلى الخدمات المالية المدعومة. على سبيل المثال، "جراب" في الفلبين، و"رابي" في الأرجنتين واجهتا اضرابات للسائقين وعقوبات بموجب قانون العمل وتشريعات جديدة لحماية السائقين. وقد يتعرض العاملون المستقلون على المنصات لانتهاكات خصوصية البيانات وقد يضطرون إلى العمل ساعات إضافية بسبب المديونية وشروط القروض غير الخلقية المصمّمة للمقترضين ذوي الثقافة المالية المتدنية. وبالتالي، يتعين على الهيئات الناظمة ذات الصلة التعاون بشأن الترابطات بين العروض المالية وغير المالية.

وتكون الترابطات متبادلة. على سبيل المثال، عندما تكون الخدمات المالية مشمولة في المنصة، فتكون المؤسسة المالية في أغلب الأحيان معتمدة على المنصة كمزوّد خارجي للخدمات، ويكون مزوّد الخدمات المالية المصدر الخارجي المسندة إليه الخدمات. أما المنصة فتزوّد مزوّد الخدمات المالية بخدمات مختلفة مثل الأنظمة الخلفية وواجهة العملاء الأمامية وخدمات التسويق وخدمة الإلحاق بالعمل والمبيعات وخدمات دعم المعاملات وجمع البيانات.

وقد حظي الإسناد الخارجي لخدمات الحوسبة السحابية من قبل المؤسسات المالية المرخصة باهتمام خاص. ففي حين أن الحوسبة السحابية أساسية للخدمات المالية الرقمية التي تعتمد على البيانات بشكل مكثّف، إلا أنها ترتّب أيضًا مخاطر تتعلق بأمن البيانات وخصوصيتها ، بالإضافة إلى مخاطر الامتثال أيضًا بسبب فقدان المؤسسة المالية لسيطرتها الكاملة على إدارة المخاطر. وقد تبيّن أن إيجاد التوازن الصحيح في تنظيم خدمات الإسناد الخارجي ينطوي على تحدّيات عدّة. وعلى الرغم من تجاوز الحدود التنظيمية في العديد من الحالات (كتجاوز متطلبات توطين البيانات)، فإن الأساس الذي يقوم عليه النهج العملي المتناسب واضح. وهذا يعني تحديد معايير واضحة في التعاقد المادي مع الجهة الخارجية، حيث إن الخدمات أو الوظائف الهامة المًسندة إلى جهات خارجية قد تشهد انقطاعًا وسيهدّد انقطاعها قدرة المؤسسة على الوفاء بالتزاماتها ومواصلة عملياتها (أي حماية البيانات، والعناية الواجبة في اختيار الأطراف الخارجية، وتطبيق معايير الأداء، وإجراء عمليات التدقيق في الموقع).

تجاوز النطاقات التنظيمية

في حين أنّ المنصات تعمل ضمن العديد من الولايات التنظيمية، فغالبًا ما تجد الهيئات الناظمة المالية صلاحياتها مقيدة داخل محيط ضيق، مما لا يسهّل عليها مراعاة كافة الأنشطة ذات الصلة في المنصات ومعالجة المخاطر التي تتجاوز الترخيص. تحذّر الهيئة المصرفية الأوروبية من أن منصات التقنية تندرج بشكل عام "خارج نطاق الإشراف المباشر" وأن الهيئات الناظمة تجد صعوبة في "تحديد، داخل منظومة المنصات، من يقوم بتقديم أي خدمات مالية خاضعة للرقابة... وما إذا كانت هناك أنشطة جديدة ناشئة قد يتعين إدراجها ضمن نطاق تنظيم الخدمات المالية".

من أجل تنفيذ إشراف فعّال على الخدمات المالية القائمة على المنصات، يجب أن يكون الإشراف أوسع مما تسمح به الأنشطة التنظيمية التقليدية. ونظرًا لغياب تشريعات تقضي بإخضاع المنصات كليًا لولايتها القضائية، قد يضع المشرفون قواعد للإسناد الخارجي (مثل معايير للتقنية المالية وواجهات برمجة التطبيقات)، ما يسمح لهم بتوسيع نطاق الرقابة وتنظيم المنصات بشكل غير مباشر، أو قد يقوم الإشراف على اختبار نماذج المنصات المقترحة على أساس تجريبي تحت إشراف الهيئات الناظمة المالية، كما هو الحال في الفلبين.

يمكن أيضًا تعزيز قدرة الهيئات الناظمة على ممارسة سلطتها في مختلف القطاعات من خلال إيجاد التوازن الصحيح بين التنظيمات القائمة على المؤسسات والتنظيمات القائمة على الأنشطة.

هذا ويمكن أيضًا تعزيز قدرة الهيئات الناظمة على ممارسة سلطتها في مختلف القطاعات من خلال إيجاد التوازن الصحيح بين التنظيمات القائمة على المؤسسات والتنظيمات القائمة على الأنشطة. فعندما تقوم المنصة بربط مجموعة متنوعة من الشركات وأنشطة الخدمات المالية، سيكون من الممكن رؤية الصورة الكبرى من خلال إجراء إشراف متكامل. وينبغي أن يكون النطاق التنظيمي واسعًا بما فيه الكفاية لضمان التغطية المتسقة للأنشطة المترابطة (مثل التجارة الإلكترونية أو الخدمات السحابية) التي لها انعكاسات على الاستقرار المالي. وهناك سابقة لهذا النوع من الرقابة في المتطلبات التحوطية للمصارف التي تقوم إلى حد كبير على الجهات وتراعي كافة الأنشطة التي تدرجها المؤسسة في ميزانيتها العمومية المجمّعة. وقد تخضع المؤسسات التابعة للمجموعات المصرفية لهذه المتطلبات، بغض النظر عما تقوم به وما إذا كانت منظّمة بشكل مباشر أم لا.

كذلك، يعني الإشراف المستمر للمنصة الحدّ من التحكيم التنظيمي. وقد يعتمد القرار المتعلق بمن يتولى تنظيم المنصات على ما إذا كانت المنصة تعتبر مجرد وسيط أو أنها تسوّق بشكل ناشط على الموقع. وهناك العديد من المنصات التي تعمل بمثابة وسيط بين جهات العمل والمتعاقدين الخارجين (كما هو الحال في "غراب" و"رابي" المذكورتين أعلاه). وعندما تقدّم المنصات ذاتها على أنها وسطاء، ستسعى إلى تحويل المخاطر (مثل المرض، والإصابة، وفترات الركود في السوق) إلى مزوّدي الخدمات. على سبيل المثال، سعت شركة "أوبر" بلا جدوى (2017) إلى أن تصنيفها وسيطًا بحتًا وليس شركة نقل. وهذا النوع من المناورة يمكن استخدامه لمعارضة اختصاص السلطات المالية في التعامل مع المنصات، ليس بشكل عام ولكن ربما عندما تكون المؤسسات التنظيمية والقضائية عرضة للنفوذ الخارجي.

تنسيق نهج واسع

لن تكفي الجهود التي تبذلها الهيئات الناظمة المالية من جانب واحد، بل يلزم تطبيق نهج تعاوني.  فإن آليات التنسيق القائمة حاليًا، مثل التشاور بين المصارف ووكالات الأوراق المالية، تسمح بتطبيق إشراف واسع ويمكن اعتمادها لدى التعامل مع المنصات. ويمكن أيضًا، في خطوة إضافية، تطبيق مثل هذا النهج مع الهيئات الناظمة غير المالية مثل شركات الاتصالات، أو هيئات العمل، أو هيئات المستهلك، أو هيئات النقل، أو الهيئات المتعددة القطاعات التي تتعامل مع المنافسة أو البيانات.

وتتشارك بعض السلطات المالية اختصاصات قضائية متزامنة مع وكالات المنافسة. على سبيل المثال، تراقب وكالات الخدمات المصرفية الفيدرالية الأمريكية شركات التقنية الكبيرة بصفتها مزوّدًا خارجيًا مهمًا للخدمات للمصارف. ويمكن أيضًا وضع آليات تعاون رسمية في الاتفاقات المنعقدة بين الوكالات. ففي المكسيك، تسعى لجنة المنافسة والهيئات الناظمة للخدمات المالية إلى التنسيق على أساس مذكرة تفاهم. كما يمكن للهيئة الناظمة المالية أن تنسّق مع وكالة بيانات مستقلة (مثل الهيئات الأوروبية لحماية البيانات) أو وحدة البيانات لدى هيئة تنظيم الاتصالات أو المستهلك أو المنافسة.

ويجب أن يكون الإطار الشامل دوليًا نظرًا لنطاق العديد من أسواق المنصات. وغالبًا ما يواجه المشرفون عراقيل بسبب الموقع الأجنبي (أو المواقع المتعددة) لمرافق الجهات الخارجية (مثل التخزين على السحابة)، والتناقضات بين الأطر القانونية الوطنية وندرة الموظفين المهرة ذوي الخبرة. وفي الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، حتى المشرفون الذين يتمتعون بالصلاحيات المطلوبة من الناحية الفنية (والسياسية) قد يواجهون صعوبة في التعامل مع الجهات الخارجية، لاسيّما شركات التقنية الكبرى العالمية.

وبدأت المرحلة التالية في هذا المجال تتوضّح بشكل متزايد. على سبيل المثال، اقترحت الهيئة المصرفية الأوروبية وضع إطار عمل تعاوني وطني أوروبي لجمع المعلومات عن الترابطات بين المؤسسات المالية على المنصات الرقمية ووضع مؤشرات (مثل مخاطر التركيز والمخاطر المنهجية). وثمّة أيضًا توافق متزايد على أن تنظيم الإسناد الخارجي المادي من قبل مزوّدي الخدمات المالية (مثل خدمات السحابة) ينبغي أن يكون متسقًا بين القطاعات المالية والهيئات الوظيفية والبلدان. ويلزم كحد أدنى توفير التنسيق الثنائي بين البلدان الموطن والبلدان المضيفة لتعيين السلطة القضائية على مزوّدي الخدمات، بما في ذلك حقوق التدقيق والوصول، وحماية حقوق المواطنين في البيانات التي يحتفظ بها مزوّدو الخدمات الأجنبيون. هذا وجاري العمل حاليًا على وضع أطر متعددة الأطراف، وإذا تحقّقت، سيتم تمكين الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية من المحافظة على تنظيمات متّسقة لأنها تؤثّر على عملائها ومزوّدي الخدمات المحليين.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.