مدونة البوابة

كيف تعالج وسائل التكنولوجيا المالية فجوة تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي التي تبلغ قيمتها 123 مليار دولار؟

لقطة عن قرب لمرأة تحمل مبلغ نقدي بيد وهاتف محمول باليد الأخرى.

خلال ندوة عبر الويب حضرناها مؤخرا عن تمويل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، علق أحد المشاركين قائلاً:

"باتت مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة تشبه المشاهير من أمثال كيم كارداشيان، فنحن نتبعهم، لكننا لا نعرف حقا سبب اتباعنا إياهم."

لكن على الأقل في حالة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي، إليكم السبب في ضرورة أن يولي المعنيون بالتنمية اهتماماً في هذا الصدد.

في العالم العربي، تشكل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة 97 بالمئة من مؤسسات الأعمال ، وتوظف نصف إجمالي القوى العاملة، وتمثل ما يصل إلى 40 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي، كما يمكنها خلق 8 ملايين فرصة عمل بحلول عام 2025، وذلك وفقا لبحث أجراه صندوق النقد الدولي. وفي منطقة تحتاج إلى ملايين الوظائف الجديدة كل عام لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، تتيح مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة فرصة كبيرة لدفع عجلة النمو الاقتصادي.

لقد أدركت أوساط المعنيين بالتنمية على مستوى العالم منذ وقت طويل أن الخدمات المالية يمكن أن تمكن رواد الأعمال من بدء تأسيس مؤسسات أعمال صغيرة ومتوسطة ومن ثم توسيعها. فالخدمات، مثل رأس المال طويل الأجل والعامل، ومساندة عمليات الأعمال، وأنظمة السداد تسهل على مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة الاستثمار في التوسع، وإدارة المخاطر، وتحسين الكفاءة التشغيلية. غير أن بحث صندوق النقد الدولي سالف الذكر يظهر أيضاً أن مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي تواجه أكبر فجوة تمويلية في العالم وتتلقى أدنى نسبة مئوية من الائتمان المصرفي. وبسبب عدم تجانس المعلومات، والنقص الملحوظ في القدرة على الحصول على التمويل المصرفي، وارتفاع تكاليف تقديم الخدمة، غالباً ما يركز مقدمو الخدمات المالية على شرائح أخرى من العملاء.

ويُقدِّر منتدى تمويل منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة الفجوة التمويلية التي تعاني منها هذه المؤسسات في المنطقة بنحو 123 مليار دولار. بعبارة أخرى، تحتاج مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة إلى 123 مليار دولار لتحقيق كامل إمكاناتها، بما في ذلك خلق فرص العمل.  وعلى الرغم من هذا الاحتياج التمويلي، فإن معظم وسائل التكنولوجيا المالية لا تسعى لسدّ هذه الفجوة، رغم بعض الاستثناءات الملحوظة.

5 بالمئة فقط من وسائل التكنولوجيا المالية في العالم العربي تمول مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة

في العام الماضي، أصدرت سيجاب قائمة بوسائل التكنولوجيا المالية في العالم العربي. وفي إطار هذه العملية، خلصنا إلى أنه إذا قام مقدمو الخدمات المالية في البلدان الستة، التي بها أكبر عدد من وسائل التكنولوجيا المالية في المنطقة، بتوسيع نطاق تقديم الخدمات المالية ليشمل نصف الأفراد والشركات المستبعدين فقط، فسيكون بإمكانها تحقيق إيرادات قدرها 7 مليارات دولار. وفي هذه العملية الحسابية، فإن سدّ 50 بالمئة من الفجوة التمويلية لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة يمثل ثلثي مقومات هذه الإيرادات.

ومن الغريب أن 80 فقط من بين حلول التكنولوجيا المالية المستخدمة بكثافة وعددها 400 والتي حددناها في أنحاء المنطقة (20 بالمئة) تستهدف مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة  بوجه عام، ولا يمول سوى 27 بالمئة من هذه الحلول تلك المؤسسات. وهذا لا يمثل سوى 5 بالمئة من إجمالي عدد وسائل التكنولوجيا المالية، وهي نسبة تتضاءل عند مقارنتها بالسوق غير المستغلة بعد.

وتشمل هذه المجموعة الصغيرة من وسائل التكنولوجيا المالية مؤسسات الإقراض الرقمي التي تقدم قروضا لرأس المال العامل وتمويلا للفواتير غير المحصلة، فضلا عن حلول التمويل الجماعي. فبعض حلول التمويل الجماعي تستمد رأس المال من المقرضين من المؤسسات والأفراد، في حين أن البعض الآخر تستمده من المودعين الأفراد على الصعيدين المحلي والدولي.

وتشمل هذه المجموعة أيضا وسائل التكنولوجيا المالية التي تسهل بشكل غير مباشر تمويل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة عن طريق تحسين القدرات الإقراضية لمقدمي الخدمات المالية التقليديين. وهي تعزز مختلف جوانب عملية تمويل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة — على سبيل المثال، من خلال توفير أدوات التقييم أو خدمات الاكتتاب. وهذه الأدوات مطلوبة أكثر من أي وقت مضى حتى يؤدي مقدمو الخدمات المالية دوراً مهماً في تقديم الائتمان لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة أثناء جائحة كورونا والأزمات الأخرى في أنحاء المنطقة. فعلى سبيل المثال، توفر لوا (Liwwa)، وهي منصة كبيرة لتمويل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، تزاول أنشطة عملها في الأردن ومصر، وتقدم في المعتاد تمويلا مباشرا لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. لكنها الآن دخلت في شراكة مع كابيتال بنك في الأردن كي تتمكن أيضاً من تقديم "خدمة التعهد بالتغطية" لتسريع وتيرة التقييم لدى البنك ومن ثم سرعة تقديم القروض لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة.

تقدم معظم وسائل التكنولوجيا المالية التي تخدم مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة مدفوعات وحلولا رقمية لمساعدة الشركات على الرقمنة والنمو

ولا يركز معظم حلول التكنولوجيا المالية، وعددها 80، التي حددناها لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة على التمويل، بل على تحسين إجراءات عمل هذه المؤسسات. وتفعل الأغلبية ذلك من خلال رقمنة مسك الدفاتر والمخزونات؛ من خلال توفير أنظمة إدارة تستند إلى الحوسبة السحابية أو حلول رقمية للموارد البشرية وعمليات التمويل والمحاسبة؛ أو من خلال مساعدة مؤسسات الأعمال على إيجاد عملاء جدد عبر الإنترنت. على سبيل المثال، تقدم Swiver في تونس حلول إدارة الأعمال عبر الإنترنت للحرفيين المهنيين ومؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. وتهدف هذه الحلول إلى تبسيط إجراءات إعداد الفواتير والعمليات المحاسبية.

فالمدفوعات الرقمية تشكل نحو 44 بالمئة من جميع حلول التكنولوجيا المالية في المنطقة، لكنها لا تشكل سوى 28 بالمئة من الحلول التي تركز على مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة. وتهدف بعض وسائل التكنولوجيا المالية إلى مساعدة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة على إيجاد سبل بيع جديدة من خلال دمج حلول الدفع السهلة والمأمونة في المتاجر الإلكترونية لهذه المؤسسات على الإنترنت، أو عن طريق تسهيل المدفوعات الشخصية المباشرة للتجار من خلال تكنولوجيا نقاط البيع. JumiaPay، يقدم من خلال جوميا وهي منصة التجارة الإلكترونية الناشئة في أفريقيا، حلولا للمدفوعات الرقمية التي تمكن مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة من إيجاد عملاء عبر الإنترنت. وهذه خدمة ذات قيمة كبيرة في وقت يغلق فيه العديد من المتاجر أبوابه بسبب الجائحة.

تخطو بعض وسائل التكنولوجيا المالية الأخرى خطوة أخرى إلى الأمام، حيث تقدم خدمات ذات قيمة مضافة، مثل تحليلات بيانات المبيعات، وبرامج ولاء العملاء.  وأحد الأمثلة على ذلك Zeal Rewards، وهي تكنولوجيا مالية للمدفوعات مقرها في مصر وتمكن المستخدمين من ربط بطاقات الخصم والائتمان المصرفية مع تطبيق Zeal والدفع داخل المتجر، باستخدام رمز الاستجابة السريعة (كيو آر كود)، وتجميع نقاط الولاء الرقمية في الوقت ذاته. ويمكن لشركاء Zeal — وكثير منهم تجار صغار مثل أصحاب المقاهي وصالونات التجميل - الاستفادة من لوحة البيانات التي يوفرها Zeal، والتي تتنبأ بالإنفاق المستقبلي للعميل على أساس البيانات الحالية المتاحة عنه.

وعلى الرغم من أن مثل هذه الحلول لا تعالج الإمكانات السوقية الكبيرة لتمويل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في حد ذاته، فإنها توفر قاعدة رقمية ممتازة لقياس الجدارة الائتمانية طوال الوقت.

توزيع وسائل التكنولوجيا المالية التي تركز على مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في العالم العربي (بالإنغليزية)

وسائل التكنولوجيا المالية لا يمكنها أن تفعل ذلك بمفردها - فمعظمها مؤسسات أعمال الصغيرة ومتوسطة

غالبا ما تتمثل وسائل التكنولوجيا المالية في العالم العربي في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة نفسها، حيث تواجه تحديات مماثلة لتحديات العملاء التي تحاول دعمهم.  أما من يركز منها على مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة فهي شركات حديثة العهد وصغيرة، بمتوسط عمليات يبلغ 3.7 سنوات وعمالة أقل من 50 موظفاً. ويركز ثلثاها على ثلاثة بلدان فقط (الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر)، كما أن عملياتها الإقليمية محدودة.

وحتى تحقق وسائل التكنولوجيا المالية كامل إمكاناتها لسد الفجوة التمويلية لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة في المنطقة، فإنها ستحتاج إلى بنية أساسية مالية ومادية داعمة لجعل الخدمات المالية أسهل منالاً وفائدة لمؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة وعملائها. ويشمل ذلك اتصالات الهاتف المحمول والإنترنت، والمدفوعات القابلة للتشغيل المشترك، ومكاتب الاستعلام الائتماني التي تشمل مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ونظم الهوية الرقمية. كما أن كفاية التمويل ورأس المال البشري، بما في ذلك القوى العاملة المتمتعة بمهارات رقمية، ضرورية أيضا من أجل توسيع نطاق العمليات والوفاء باحتياجات العملاء.

ولم تسلط جائحة كورونا الضوء فقط على الدور الذي يمكن أن تلعبه وسائل التكنولوجيا المالية في جميع أنحاء العالم العربي في مساندة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة، بل أيضا على سبب أهمية أن يقوم مقدمو الخدمات المالية والجهات التنظيمية والجهات الفاعلة الأخرى بتسريع الجهود لمساعدة مؤسسات الأعمال هذه على البقاء والازدهار. وكما أظهرت أبحاث سيجاب، فإن من يتفهمون هذا الأمر أمامهم فرصة تعود عليهم بمليارات الدولارات.

لذلك، دعونا نواصل متابعة مؤسسات الأعمال الصغيرة والمتوسطة.

التعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.

عادل بسيوني يوسف , jana center, ksa
16 يونيو/حزيران 2021

مقال ممتاز يبين الفجوة بين الاحتياج ( ما هو مطلوب) والمتاح من الامكانيات المالية ويجب ان تكون التشريعات الجديدة لمؤسسات التمويل الاصغر والمتناهي الصغر عن طريق البنوك المركزية ملائمة للاحتياجات المتكررة للقطاع وأقترح ان يكون هناك مخصص من البنوك التجارية متاح فقط لمؤسسات التمويل الاصغر حتى تستطيع القيام بدورها في تقديم الحلول التمويلية وخدمات الشمول المالي والتي تساهم بشكل عام في التنمية المستدامة

اترك تعليق