مدونة البوابة

المرأة والتمويل: تدعيم التمكين الإقتصادي للمرأة

إمرأة عربية تعمل على جهاز الكمبيوتر المحمول داخل المنزل. الصورة بعدسة أنطوني شكرابا من موقع بيكسيلس للصور، 2020.

في أوائل عام 2020، تجاوزت سيجاب نموذج توفير الخدمات المالية واستخدامها على النحو الوارد في سياسة الشمول المالي، واتجهت أنظارها إلى فهم كيف يمكن للفقراء استخدام الخدمات المالية لتحسين حياتهم بثلاث طرق: توليد الدخل، والحصول على الخدمات الأساسية، وحماية مستويات المعيشة الأساسية. وفي الوقت نفسه، قمنا بتحديث بيان رؤية سيجاب بإضافة كلمتين بسيطتين: "عالم يتم فيه تمكين الفقراء، لاسيما النساء، من اغتنام الفرص وبناء قدرتهم على الصمود من خلال الخدمات المالية". وربما لم يلاحظ العديد من القراء هذا التغيير. ولكنه سيحدث فرقاً عميقاً في كيفية قيام سيجاب بالتعامل مع الأنشطة التي تقوم بها في المستقبل.

والسؤال هو لماذا اتخذنا هذه الخطوة؟ وكانت الإجابة لوضع الشمول المالي للمرأة في بؤرة أنشطة سيجاب. ففي الماضي، لم تكن مراعاة المساواة بين الجنسين والفوارق بينهما محل اهتمام، وكانت هذه القضية تأتي في صورة مشروع قائم بذاته أو "قضية تخص عدة قطاعات"، وكانت المسؤولية عن هذا الأمر شائعة وغير محددة. ولن تؤدي هذه الأساليب العتيقة إلى تقليص الفجوة المستمرة بين الجنسين في الشمول المالي البالغة 9% (والقضاء عليها في نهاية المطاف)، أما سيجاب فقد التزمت بالمساعدة في سد هذه الفجوة حسبما ورد في آخر استراتيجية خمسية لها. ويتطلب تضييق الفجوة بين الجنسين أن نراعي المساواة بين الجنسين والفوارق بينهما في كل ما نقوم به، وبدون شمول المرأة بصورة تامة، لن نصل إلى حل لمسألة الشمول المالي - أو القضاء على الفقر المدقع وتعزيز الرخاء المشترك.

وبالتالي، كيف يمكن لمجتمع الشمول المالي أن يساهم في تحقيق هذا الهدف الطموح للغاية؟

ربط النقاط بين الشمول المالي للمرأة والتمكين الاقتصادي لها

في كتابها "لحظة الصعود"، فكرت ميليندا غيتس مليا في الوقت الذي استغرقته لإدراك أن تمكين المرأة كان أقوى العناصر الدافعة لتحسين حياة جميع البشر. ولكن في نهاية المطاف، كتبت قائلة "... أن الأسباب الرئيسية للفقر والمرض هي القيود الثقافية والمالية والقانونية التي تمنع ما يمكن للمرأة القيام به - وإيمانها بما تستطيع القيام به - لنفسها ولأطفالها".

وتصف ميليدنا غيتس هذا التحدي بأنه شاق للغاية ولا يمكن للخدمات المالية التغلب عليه. وحتى لو قمنا بإزالة الحواجز المادية التي تحول دون تمكين المرأة، فإن رؤية النساء والرجال حولهن حول دور المرأة الصحيح في المجتمع هي الحاجز الحقيقي. وحتى يتسنى إحداث تغيير حقيقي في حياة المرأة، علينا أن نغير الحواجز المغروسة في أذهان الناس، وهو الأمر الأكثر تعقيدا. فما النفع في حساب بنكي أو حافظة أموال على الهاتف المحمول ولا تستطيع المرأة أن تمتلك هاتفا محمولا أو تغادر المنزل؟ والواقع المعقد هو أن المعايير والتقاليد الاجتماعية لها تأثير قوي على الأدوار التي يتوقع أن تضطلع بها المرأة في المجتمع. ويتسم التمكين الاقتصادي للمرأة بعدم الوضوح وفق المعايير والتقاليد الاجتماعية بشأن مسؤوليات الرعاية الصحية والتعليم وتنظيم الأسرة ورعاية الأطفال بقدر عدم وضوح المشكلات التي تواجه المرأة فيما يتعلق بسبل كسب العيش والسيطرة على الموارد.

"التمكين الاقتصادي للمرأة يتجاوز مجرد امتلاك الحسابات البنكية. لكن الحسابات البنكية يمكن أن تكون أدوات قوية في أيدي النساء اللواتي عقدن العزم على تولي زمام أمورهن".

السؤال الآخر هو كيف يمكن لمجتمع الشمول المالي استخدام التكنولوجيا والخدمات المالية للمساعدة في حل هذه المشكلات المعقدة؟ أما الإجابة غير البسيطة فهي ضرورة أن نربط بين ما نقوم به من أعمال بنظرية التغيير الأوسع نطاقا التي تتحدث عن التمكين الاقتصادي للمرأة. ويجب أن نكون واضحين بشأن القيود العديدة التي تعوق تقدم المرأة. كما علينا أيضا أن نكون واضحين بشأن أدوات الدعم والمساندة التي نستطيع توظيفها، سواءً أكانت ملموسة وغير ملموسة، لمساعدة النساء على إيجاد سبل لزيادة التمكين من خلال الخدمات المالية التي تلبي احتياجاتهن. وعلينا بناء شراكات مع أطراف فاعلة خارج مجالات خبرتنا الأساسية حيث إن هؤلاء بمقدورهم إحداث تحولات في أدوات الدعم التي لا ترتبط ارتباطا مباشرا بالتمويل. ويتجاوز التمكين الاقتصادي للمرأة مجرد امتلاك الحسابات البنكية. لكن الحسابات البنكية يمكن أن تكون أدوات قوية في أيدي النساء اللواتي عقدن العزم على تولي زمام أمورهن".

حتى الجوانب الفنية للغاية في الشمول المالي لها آثار على التمكين الاقتصادي للمرأة

عند التحضير لكتابة هذا المقال، بحثت في عدد من نظريات التغيير المتعلقة بتمكين المرأة اقتصاديا. وأول شيء أدهشني هو مدى اختلاف هذه النظريات. فلدى المنظمات والمؤسسات المختلفة رؤى مختلفة للغاية حول كيفية إحداث التغيير، على الرغم من أن معظمها مرتبط بموضوعات ومحاور تركيز مشتركة. والشيء الثاني الذي أدهشني حقا هو الأساليب العديدة التي يمكن بها للخدمات المالية والوصول الرقمي أن يدعما التمكين الاقتصادي للمرأة، حتى في الأماكن التي قد لا تبدو واضحة. وعلى غرار العديد من المتخصصين الفنيين، لا أحب سوى التعمق في الدهاليز الفنية للتمويل الرقمي. وفيما يبدو أن الأسئلة والطروحات الجادة بشأن موضوعات مثل التشغيل البيني والخدمات المصرفية المفتوحة وواجهات برمجة التطبيقات تتسم بأنها محايدة بشأن نوع الجنس دون تحيز، لكن في جوهرها يتضح أنها تنطوي على جوانب ذات صلة بنوع الجنس وترتبط في نهاية المطاف بالتمكين الاقتصادي للمرأة.

فعلى سبيل المثال ، أحد الموضوعات الفنية التي استرعت انتباهي في الآونة الأخيرة كان العملات الرقمية للبنوك المركزية. ويأتي النقاش حول كيفية تنفيذ العملة الرقمية في صلب الدور الذي يؤديه المال في مجتمعنا. وفي الخطاب الاقتصادي المعتاد، نجد أن للمال ثلاث وظائف رئيسية: هو مخزن للقيمة/وعاء لحفظ القيمة، ووحدة حساب، ووسيلة للتبادل. لكن دور المال يتجاوز هذا بكثير. فهو يؤثر على علاقاتنا مع بعضنا البعض، لا سيما في العلاقات الأسرية. ويمكن أن يحدد المال ديناميكيات السلطة في الأسرة المعيشية والنشاط الاقتصادي. كما يمكن أن يحدد مدى ما نتمتع به من ولاية على النفس وعلى حياتنا الخاصة والخيارات الشخصية. وكثيرا ما تظهر هذه العلاقات والديناميكيات في صورة تمايز بين الجنسين. وعلى هذا النحو، فبالإضافة إلى اكتشاف الآثار المترتبة على الاقتصاد الكلي أو كيفية توزيع العملات الرقمية، يجب على مخططي هذه البرامج الجديدة أن يفكروا في الآثار الاستبعادية والتهميشية المحتملة لاستبدال النقد وحل العملة الرقمية محله. وإلا فقد ينتهي الأمر إلى تعزيز الأعراف والتقاليد الاجتماعية القائمة التي تجرد المرأة من أسباب القوة. وقاعدة الأدلة واضحة تماماً وهي إذا لم تكن المرأة مسيطرة على الموارد، فإنها لا تسيطر كثيرا على حياتها وخياراتها ولا تتحكم فيها - وهذا جانب أساسي من جوانب التمكين الاقتصادي للمرأة. ولهذا السبب، على كل فرد في مجتمع الشمول المالي مراعاة المساواة بين الجنسين والفوارق بينهما بغض النظر عن مجال خبرته أو تركيزه.

وعلى الرغم من وجود العديد من نظريات التغيير المختلفة بشأن التمكين الاقتصادي للمرأة، ينطوي معظمها على ثلاثة عناصر واسعة النطاق: الحصول على الدخل والموارد، والسيطرة على المكاسب الاقتصادية والاستفادة منها، والقدرة على اتخاذ القرارات. وهذه الموضوعات ترتبط في العديد من الجوانب بالشمول المالي وبنظرية التغيير الخاصة بسيجاب المتبلورة حول الفرص والقدرة على مجابهة الصدمات والأخطار . وإذا تم تمكين النساء من اغتنام الفرص وتعزيز روح المغامرة لديهن، والتطلع إلى مزيد من الفرص، وإدارة المخاطر السلبية التي يتعرضن لها وأسرهن بأنفسهن، عندئذ يمكنهن التمتع بمزيد من السيطرة على حياتهن والتحكم فيها. وإذا استطعن الحصول على الخدمات الأساسية التي تساعد على زيادة قدراتهن أو الاستفادة بشكل أفضل من وقتهن، سيكن قادرات بشكل أفضل على الاستثمار في أنشطة منتجة ومدرة للدخل يمكن أن تفيد الأسرة والمجتمع بأكمله. ولكن هناك أيضا جانب ثقافي. فإذا كانت النساء قد جبلن على الاعتقاد بأنهن لا يملكن حق الولاية على أنفسهن، فكيف يُمكنهن اغتنام الفرص وبناء القدرة على مجابهة الصدمات والأخطار؟ ولا تستطيع المرأة امتلاك زمام أمرها إلا عندما تتمكن من رؤية هذه المسارات بنفسها مع توفر الدعم المادي والقانوني لها كي تطأ أقدامها هذه المسارات.

وما أراه أساسا هو التغلب على هذه الحواجز والوصول إلى فرص جديدة، وتصور وجود سلم ينبغي صعوده. وقد تكون درجات السلم هي الموارد أو المهارات أو الشبكات - وهي أمور تساعدنا على اغتنام الفرص. ولكننا نحتاج أيضا إلى أرضية ثابتة للوقوف على هذا السلم، وتتمثل هذه الأرضية في الأدوات التي تساعد على بناء القدرة على مجابهة الصدمات والأخطار مثل شبكات الأمان الاجتماعي والمدخرات والتأمين، وذلك لأنها تساعدنا على الحفاظ على توازننا عندما نواجه عقبات وتعزيز ثقتنا بأنفسنا ونحن نتسلق سلم الفرص. كما أن اليقين بثبات السلم الذي نصعده يساعدنا أيضا على الصعود. وفي هذا الصدد، يمكن لمجموعات التضامن الاجتماعي والنماذج النسائية الرائدة أن تؤدي دوراً مهما. وإذا أُخبرتِ طوال حياتك أنه لا يمكنك القيام بأشياء محددة، فعندما ترين شخصا مثلك يحقق الأهداف التي تبدو بعيدة المنال، فإنك عندئذٍ ستشعرين بقوة هائلة للغاية.

4 مجالات يمكن فيها لمجتمع الشمول المالي أن يسهم في تمكين المرأة اقتصاديا

كيف يمكن للخدمات المالية أن تساعد على تحقيق تكافؤ الفرص أمام المرأة وتؤدي إلى تحقيق أثر منصف لها؟ هناك عدد من المجالات التي تعزز فيها الخدمات المالية الأرضية التي نقف عليها، وسلم الفرص الذي نريد أن نصعده، والدعم الاجتماعي الذي يساعد المرأة على تحقيق التمكين الاقتصادي. وهناك مجالات واسعة النطاق في هذا الشأن:

1. الوصول الرقمي والبيانات. أضحى للاقتصاد الرقمي دور أكبر في حياتنا. وحتى يتسنى للمرأة الاستفادة من الفرص الاقتصادية في الاقتصاد الرقمي، ينبغي أن تكون قادرة على القيام بصرف وتحصيل المبالغ المالية. وعلى المرأة الاستفادة من 3 أدوات للمشاركة في الاقتصاد الرقمي: وجود حساب وهاتف وشبكة صرف وإيداع. وفيما يبدو أن مجتمع الشمول المالي يتجه نحو التركيز على الفجوة بين الجنسين في الحسابات، لكن هناك أيضًا فجوة كبيرة في امتلاك الهواتف. وفي البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، يقل احتمال امتلاك النساء للهاتف بنسبة 8% عن الرجال، ويقل احتمال امتلاكهن لهاتف ذكي بنسبة 20%،وهذه الهواتف هي البوابة الرئيسية للإنترنت بالنسبة لمعظم الفقراء.

ويتيح الاقتصاد الرقمي فرصاً عديدة للمرأة. وفي عدد متزايد من الأسواق، تُمكّن المنصات الرقمية النساء من تحقيق الدخل من خلال التوفيق بين جانبي العرض والطلب - كما هو الحال في نشاط التجارة الاجتماعية (التجارة من خلال منصات التواصل الاجتماعي) أو العمل الحر غير المنتظم - أو الحصول على معلومات السوق في الوقت المناسب - كما هو الحال مع مجموعة ناشئة من المنصات الزراعية. ويقوم مقدمو الخدمات الآن بدمج الخدمات المالية، على سبيل المثال خدمات القروض والتسهيلات الائتمانية والتأمين في هذه المنصات. ويمكن أن تكشف مسارات البيانات الإلكترونية التي تتيحها المرأة عن مدى مشاركة المرأة على قدم المساواة في الاقتصاد الرقمي وكيف يمكن أن تستخدم الأدوات الرقمية والتمويل لاغتنام فرص جديدة. ويمكن للبيانات المصنفة حسب نوع الجنس عن المرأة أن تساعد في إثراء السياسات والمنتجات التي تعمل على زيادة التمكين.

ولكننا نحتاج أيضاً إلى فهم المخاطر التي يشكلها الاقتصاد الرقمي وخدماته المالية الأساسية على المرأة. فعلى سبيل المثال، تثير المنصات الرقمية وخدمات القروض والتسهيلات الائتمانية مخاطر جديدة تتمثل في التحيز الخوارزمي والاستدانة المفرطة والمعاملة العادلة. وبالإضافة إلى ذلك، تعني الأعراف والتقاليد الاجتماعية في سياقات عديدة أن من المرجح أن يكون للمرأة احتياجات فريدة فيما يتعلق بالخصوصية في تفاعلاتها الرقمية وتعاملاتها مع وكلاء خدمات الصرف والإيداع.

2. القوانين والأعراف والتقاليد والاجتماعية. تؤثر القوانين والأعراف والتقاليد الاجتماعية تأثيراً عميقاً على قدرة المرأة على استخدام الخدمات المالية لتحسين حياتها. ولقد عملت مع مؤسسة فينكا لخدمات التمويل الأصغر منذ عدة سنوات للمساعدة في إنشاء شبكة من وكلاء الخدمات المصرفية في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد علمنا أن النساء يقمن بدور وكلاء الخدمات المصرفية على نحو فعال، ولكن قدرتهن على القيام بهذا الدور كانت محدودة لأنه في ذلك الوقت، كان من غير القانوني للمرأة أن يكون لها حساب بنكي باسمها أو أن تمتلك نشاط أعمال/شركة دون إذن زوجها. ويحول عدم التمتع بحقوق الملكية والولاية على النفس دون حصول المرأة على قروض في العديد من الأسواق. كما أن عدم وجود بطاقة هوية يجعل من الصعب على النساء امتلاك الحسابات البنكية؛ ففي عدد من الأسواق، لا تزال النساء يواجهن عقبات قانونية في الحصول على بطاقة هوية. ووفقا لمؤشر البنك الدولي الخاص بالمرأة وأنشطة الأعمال والقانون، لا تتمتع المرأة في المتوسط إلا بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجل، على الرغم من التقدم المحرز مؤخرا في سد الفجوة بين الجنسين.

ويتعين على داعمي الشمول المالي أن يجعلوا هذا الأمر قضية عامة يشارك في دعمها منسقو الأسواق وجماعات الدعوة والمساندة لإزالة الحواجز القانونية في الأسواق التي يعملون فيها، وفي الوقت نفسه، على مقدمي الخدمات العامة والمالية تصميم الخدمات بعناية على نحو يراعي الأعراف والتقاليد الاجتماعية السائدة. وفي عالم مثالي، من شأن النجاحات التي تتحقق في مجال الشمول المالي أن تساعد في نهاية المطاف على تغيير الأعراف والتقاليد الاجتماعية من خلال إظهار المنافع التي تعود على الأسر المعيشية والمجتمعات المحلية من تمكين المرأة. وعلينا ألا ننسى أنه فقط في عام 1974، مع تمرير قانون تكافؤ فرص الائتمان، أصبح من القانوني للمرأة في الولايات المتحدة أن تتقدم بطلب للحصول على بطاقة ائتمان باسمها.

3. القدرات والخدمات الأساسية. التعليم والمهارات أساسيان لبناء مستقبل أفضل للنساء والأسرة. ووفقاً للشراكة العالمية من أجل التعليم التابعة للبنك الدولي، يمكن أن تؤدي سنة إضافية من التعليم للنساء إلى زيادة الدخل بنسبة 20%، ومن المرجح أن يعيش الطفل الذي تستطيع أمه القراءة بنسبة 50% بعد سن الخامسة. والعائد على الاستثمار من تعليم المرأة مرتفع للغاية، ويمكن أن تسهل الخدمات المالية مثل المدفوعات والادخار والقروض والتسهيلات الائتمانية على الأسر المعيشية الفقيرة دفع المصروفات المدرسية ومقابل الخدمات الأساسية الأخرى.

وبالإضافة إلى مساعدة المرأة على اكتساب المعارف والمهارات، يمكن للخدمات المالية أن تساعد المرأة على قضاء المزيد من الوقت في العمل. وتساعد إمدادات الكهرباء خارج الشبكة العمومية على توفير الإضاءة بعد ساعات النهار، ويمكن أن يؤدي توفير إمدادات المياه النظيفة أو مواقد الطهي النظيفة التي تعمل بالتكنولوجيا الرقمية إلى توفير جهد المرأة الذي تبذله في قطع مسافات طويلة لجلب المياه أو وقود الطهي كل يوم. ويمكن لهذه الوفورات أن تحقق مردودا حقيقيا يتمثل في المشاركة في قوة العمل وإنتاجيتها. وفي الولايات المتحدة، كانت الأسرة المعيشية المتوسطة في عام 1900 تقضي 58 ساعة في الأسبوع في الأعمال المنزلية، بما في ذلك إعداد الوجبات وغسل الملابس والتنظيف. وتراجع هذا الرقم إلى 18 ساعة في 1975. وفي الوقت نفسه، دخلت النساء قوة العمل بأعداد كبيرة. وفي عام 1900، بلغت نسبة النساء المتزوجات العاملات 26% فقط. وبحلول عام 2020، وصلت هذه النسبة 61%. وكانت هناك عوامل أخرى أدت إلى هذا التغيير، ولكن يجب الإقرار بأن الأجهزة الموفرة للعمل أدت دوراً في تمكين المرأة من المشاركة في قوة العمل.

وتساعد الخدمات المالية أيضا النساء على الحصول على الخدمات الأساسية. وتقوم الشركات الرائدة في مجال الابتكارات مثل شركة إم ــ كوبا بتطبيق نماذج تمويل الأصول التي تم تنفيذها بصورة رائدة في مجال خدمات توفير الطاقة خارج الشبكة العمومية وتطبيقها على منتجات أخرى، مما أدى إلى توفير الإضاءة والكهرباء ومواقد الطهي الفعالة والهواتف الذكية والثلاجات للأسر المعيشية الفقيرة. غير أن تأثير هذه النماذج الجديدة لأنشطة الأعمال على تمكين المرأة لا يزال غير واضح نسبيا. وهناك أدلة وشواهد على أنه عندما تساعد الخدمات المالية المرأة على توفير الوقت وزيادة فرص حصولها على المنتجات المفيدة، فإنها تستطيع أن تساعد في إنشاء حلقات حميدة تستثمر فيها المرأة الموارد في تعزيز قدرات الأسر المعيشية. وتشير أبحاث سيجاب مع مؤسسة إنجي إنيرجي أكسيس (Fenix Intl سابقاً) في أوغندا إلى أنه بمجرد سداد قروض أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية، يمكن استخدامها كضمانة للحصول على قروض لخدمات أخرى من شأنها تعزيز الفرص مثل المصروفات المدرسية. ووجد تقييم حديث لأثر برنامج قروض المصروفات المدرسية المقدمة من الشركة أن هذه القروض أدت إلى انخفاض بنسبة 50% في نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بين الأسر المعيشية المقترضة.

4. شبكات الأمان الاجتماعي والشبكات الأخرى. توفر شبكات الأمان للنساء الأمن الذي يحتجن إليه للاستفادة من الفرص التي تُتاح لهن. وكما تبين من عمل جاك وسوري في كينيا، فإن الوصول إلى شبكة اجتماعية قريبة من شبكة وكلاء خدمات مالية يعني أن النساء يستطعن الاستفادة من وقتهن في زيادة الإنتاجية، وبالتالي زيادة رفاهية الأسرة المعيشية. وتشكل شبكات الأمان الرسمية جزءاً مهما في ضمان قدرة الأسر المعيشية الفقيرة على مواجهة الشدائد: فالتأكد من أن المدفوعات من الحكومة إلى الأشخاص تدخل في حسابات النساء وأن المرأة قادرة على الحصول على الأموال من أي منفذ تختاره كانت عوامل مهمة في ضمان حصول الأسر المعيشية على الموارد اللازمة للتغلب على أزمة كورونا. وقد أظهر العمل في بنغلاديش الذي قامت به زميلتي ليورا كلابر كيف أن حصول المرأة على الأجور والرواتب من خلال الحسابات على الهواتف المحمولة الميسورة لها يعمل على تمكين المرأة من أسباب القوة. وهناك أدلة وشواهد كثيرة أن حسابات التوفير تساعد على خلق القدرة على مجابهة الصدمات والمخاطر.

وفي الوقت نفسه، ذُهلت من الحواجز الحقيقية التي تخلقها الأعراف والتقاليد الاجتماعية للمرأة والتي تتجاوز حتى مجرد الوصول إلى أدوات الشمول المالي، وهذا هو السبب في أهمية الشبكات الاجتماعية التقليدية المماثلة أيضاً. وفي كتابها "لحظة الصعود"، تتحدث ميليندا غيتس بصورة شخصية للغاية عن كيف أن المساندة التي قُدمت لها من نساء أخريات يعملن في المجال المهني ساعدتها في بناء حياتها المهنية. ولماذا يجب أن يكون الأمر مختلفاً بالنسبة للنساء الفقيرات اللاتي يواجهن حواجز تتجاوز بكثير ما كان على معظم النساء المهنيات أن يواجهن؟ ومن الممكن أن تكون الشبكات الاجتماعية مثل مجموعات الادخار في أفريقيا وجماعات المساعدة الذاتية في الهند قنوات مهمة لمساعدة النساء على الوصول إلى الفرص سواءً التقليدية أو الرقمية. ولطالما كان نشاط التمويل الأصغر مراعيا لاحتياجات المرأة: 80% من عملاء التمويل الأصغر من الإناث، والعديد من مؤسسات التمويل الأصغر تقدم الدعم الاجتماعي والتدريب في برامجها.

ولكننا نحتاج أيضا إلى إيجاد المزيد من الأمثلة عن النماذج النسائية الرائدة والناجحة حتى تتمكن الفتيات من استطلاع آفاق الفرص. ومن الملاحظ قلة عدد النساء اللاتي قمن بتأسيس شركات التكنولوجيا المالية وتباعدهن، كما تحصل الشركات الناشئة التي تقودها نساء على جزء قليل للغاية من موارد تمويل رؤوس أموال الشركات. والسؤال هو لماذا لا نرى مسرعات الأعمال والآليات الأخرى لمساندة ريادة الأعمال التي تركز على المرأة؟ ولماذا لا نرى المزيد من المبادرات في الأسواق الصاعدة التي تساند الفتيات اللاتي يرغبن في دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؟ ولا ننسى أن للرجال أيضاً دور بالغ الأهمية في النهوض بالمساواة وحقوق المرأة.

وهذه ليست بطبيعة الحال العوامل الوحيدة التي تساعد على تحقيق التمكين الاقتصادي للمرأة. ولكنها موضوعات ترتبط بصورة مباشرة بالشمول المالي، لذا من الضروري أن يعمل مجتمع الشمول المالي على دمجها في الأنشطة والأعمال التي يقوم بها. وحقيقة الأمر أن الفجوة واسعة بين الرجل والمرأة في الحصول على الخدمات المالية. ولدينا الأدوات اللازمة لإنشاء السلم الذي تستطيع النساء من خلاله الصعود إلى الفرص لدخول عالم الاقتصاد الرقمي، وتعزيز قدراتهن وإيجاد المزيد من الوقت للعمل. ويمكننا إرساء أسس راسخة لهذا السلم من خلال شبكات الأمان الاجتماعي وحسابات التوفير والوصول الرقمي إلى الشبكات الاجتماعية. ومن خلال نشاط التمويل الأصغر الأوسع نطاقا، لدينا تاريخ طويل من التعامل مع مجموعات الدعم الاجتماعي التي تقدم نماذج رائدة ودعما من جانب النظراء، ومن شأن هذا الدعم توطيد الأرضية التي يستند إليها هذا السلم التي تستطيع من خلاله النساء الصعود للوصول إلى الفرص المرجوة.

"من خلال تحويل مسار جميع أدوات الدعم المتاحة لنا، يمكننا تحسين فرصن تحقيق تكافؤ الفرص في المجالات على نحو يؤدي إلى تحسين حياة المرأة."

علينا التفكير في إطار أنظمة السوق حول كيفية الجمع بين هذه العوامل على نحو يؤدي إلى إطلاق الطاقات الكامنة لإحداث التغيير المرجو من أجل النساء، حيث إن هذه العوامل مجتمعة أكبر قيمة من مجموعها منفصلة. ومن خلال توجيه البوصلة نحو هذه المجالات الأربعة، يمكن لمجتمع الشمول المالي أن يقدم مساهمة هائلة في التمكين الاقتصادي للمرأة، وفي الوقت نفسه يواجه مجتمع التنمية الأوسع نطاقا تحديات ذات صلة في مجالات الرعاية الصحية وتنظيم الأسرة ورعاية الأطفال الميسورة وحصول الفتيات على التعليم. ومن خلال تحويل مسار جميع أدوات الدعم المتاحة لنا، يمكننا تحسين فرصن تحقيق تكافؤ الفرص في المجالات على نحو يؤدي إلى تحسين حياة المرأة.

نشاط سيجاب لتحقيق الشمول المالي للمرأة

يعيدني كل هذا إلى الطريقة التي يمكن أن تساعد بها سيجاب في النهوض بالتمكين الاقتصادي للمرأة من خلال الشمول المالي للمرأة. ومما لا شك فيك أن لدينا العديد من أدوات الدعم المتاحة لنا، ولكن ليس لدينا جميع هذه الأدوات. ولهذا السبب، نحن بحاجة إلى العمل على نحو وثيق مع العديد من المنظمات والمؤسسات الأخرى النشطة في مجال التمكين الاقتصادي للمرأة. ويمكننا المساهمة بناءً على معرفتنا العميقة بالتمويل والتكنولوجيا، ولكن علينا أن نعمل معاً. وفي السطور التالية سنرى كيف تخطط سيجاب لتقديم إسهامات في السنوات القادمة.

تبادل الرؤى والآراء الثاقبة. ما زلنا نتبادل الرؤى والآراء الثاقبة منذ سنوات عديدة بشأن شرائح محددة من الناس يعيشون في فقر وكيفية تفاعلهم مع الخدمات المالية والاقتصاد الرقمي. وفي عام 2020، قررنا أن نركز عملنا بصورة تامة على شريحة النساء. وتحقيقاً لهذه الغاية، نقوم بإعداد أدوات لدراسات تشخيصية تساعد جهات التمويل على فهم الأعراف والتقاليد الاجتماعية في سياقات محددة للمساعدة في توفير المعلومات اللازمة لتصميم البرامج ذات الصلة. كما نقوم بالبحث عن أساليب تفاعل النساء الفقيرات مع الاقتصاد الرقمي من خلال المنصات الإلكترونية، ونعمل على زيادة فهمنا لكيفية تلبية الخدمات المالية لاحتياجات المرأة من خلال تحليل بيانات مؤشر الشمول المالي من منظور المساواة بين الجنسين. وسنواصل تبادل الرؤى والأفكار الثاقبة بشأن المساواة بين الجنسين التي تتيح المعلومات اللازمة لإثراء ما نقوم به من أعمال وأنشطة وما يقوم به مجتمع الشمول المالي.

المساواة بين الجنسين في صلب أنشطة سيجاب. بالإضافة إلى تكثيف ما نقوم به من أعمال في إطار تبادل الرؤى والأفكار الثاقبة بشأن المساواة بين الجنسين، نقوم بتعميم مفهوم المساواة بين الجنسين في صلب برنامج العمل الحالي لسيجاب بصورة منهجية للغاية. وتتضمن الأنشطة والأعمال التي نقوم بها في مجال توفير إمدادات الطاقة خارج الشبكة العمومية والخدمات الأساسية الأخرى، وخدمات الصرف والإيداع، والتكنولوجيا المالية، وتوفير سبل كسب العيش، والبيانات وحماية مستويات المعيشة الأساسية جوانب مهمة تتعلق بالمساواة بين الجنسين. ونقوم الآن بوضع منظور يراعي المساواة بين الجنسين في جميع أعمال المشروعات الجديدة التي نقوم بها، مما يعني توليد رؤى وآراء ثاقبة بشأن المساواة بين الجنسين يتم وضعها بصورة مباشرة على رأس أجندة عمل سيجاب الأوسع نطاقا. ويمثل ذلك استجابة جزئية للطلب القوي من البلدان الأعضاء في سيجاب. وفي دراسة استقصائية أجريت في صيف عام 2020 على 30 مؤسسة من مؤسسات التمويل، أشارت جميع المؤسسات، فيما عدا واحدة، إلى أنها تعطي أولوية للشمول المالي للمرأة. وتتمثل الاحتياجات الشائعة التي أشارت إليها هذه المؤسسات في توفير بيانات أكثر ثراءً مصنفة حسب نوع الجنس، وشرحا للأثر أكثر وضوحا يربط الخدمات المالية بالشمول المالي للمرأة. ويمكن الاطلاع على المزيد من التقارير والمخرجات التي نقدمها بشأن هذه الموضوعات في السنة القادمة.

بناء المجموعات المنظمة والشراكات. يتمثل أكبر إنجاز قمنا به في السنوات الأربع الأخيرة في مجال المساواة بين الجنسين في استضافة مؤسسة فين إكويتي FinEquity شبكة الممارسين العاملين في هذا المجال. ووفق آخر إحصاء، نجد أن مؤسسة فين إكويتي FinEquity تضم ما يزيد على 1500 عضو من 450 منظمة ومؤسسة تعمل في 75 بلدا حول العالم. ويدور محور تركيز هذه المؤسسة حول 3 موضوعات رئيسية في مجال التعلم: الحلول التحويلية التي تراعي المساواة والفوارق بين الجنسين، والشمول المالي المدعوم رقميًا والأثر المرجو على مختلف الأصعدة. والأهم من ذلك، تربطنا مؤسسة فين إكويتي FinEquity بشبكة واسعة النطاق من الشركاء المعنيين بالشمول المالي للمرأة والتمكين الاقتصادي لها، مما يساعدنا على ربط النقاط بين مجتمع الشمول المالي للمرأة ومجتمع التمكين الاقتصادي لها مع أخذ في الاعتبار التمايز بين هذين المجتمعين وتداخلهما. وكانت هذه الروابط مهمة لزيادة الحصيلة التي نتعلمها، وتمكيننا من الربط بأعمال العديد من شركاء التنمية الآخرين. وسنتعاون على نحو استباقي مع فريق عمل مؤسسة فين إكويتي FinEquity في إطار سعينا للبحث عن سبل لإدماج المساواة بين الجنسين في صلب الأنشطة التي تقوم بها سيجاب.

وكما ترون، فإن إضافة هاتين الكلمتين البسيطتين – لاسيما النساء – في صدر نظرية التغيير الخاصة بنا قد غيرت الطريقة التي تنظر بها سيجاب إلى المساواة بين الجنسين في جميع أعمالها. ونحن متحمسون للبحث الجاد عن كيفية تحسين الشمول المالي للمرأة، ومن خلال ذلك، تقديم مساهمة إيجابية لتحقيق الهدف الأوسع نطاقا المتمثل في تمكين المرأة اقتصاديا. وكما أشار نيكولاس كريستوف وشيريل ودون في كتابهما "نصف السماء"، "فإن "المرأة ليست المشكلة ولكنها الحل، ولم تعد محنة الفتاة مأساة ولكنها فرصة، فلتكن هذه الفرصة لنا جميعا.


الصورة بعدسة أنطوني شكرابا من موقع بيكسيلس للصور، 2020.

التعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.

د.سهير احمد المصري WENRS Union- CEO , القاهرة , مصر
14 فبراير/شباط 2022

نحن اتحاد رائدات الأعمال العربيات WENRS- Union نعمل في جميع محافظات مصر و يعمل الاتحاد على تقديم الدعم الفني و الاداري لرائدات الأعمال بغرض التمكين الاقتصادي لهن و تعزيز مبادئ الشمول المالي و بناء قدراتهن التنافسية من خلال تأسيس نوادي رائدات الأعمال و انشاء مراكز تنمية القدرات و حاضنات الأعمال . الاتحاد مقيد برقم 944 في أكتوبر 2020
كيف نتواصل مع جهات ذات صلة لاستكمال مسيرة WENRS-Union

أحمد مؤيد عبدالله , الجامعة المستنصرية, العراق
07 يونيو/حزيران 2022

مساء الخير استاذه ممكن ايميل حضرتك للتواصل معك بشكل خاص حول هذا الموضوع ؟

أمال بوسواك , الوادي , الجزائر
06 فبراير/شباط 2022

كيف يقاس التمكين الاقتصادي في مجتمع ما؟

اترك تعليق