مدونة البوابة

ما بعد العاصفة: كيف يمكن للتمويل الأصغر التكيف والازدهار

نسما الموهوبة بعدسة محمد جودة. تدير هذه المرأة أعمالها في الرسم والتطريز من خلال قرض تمويل صغير. تمكنت من الاستثمار في صناعة الحرف اليدوية مثل القبعات والأطباق والتمائم التي تبيعها لكسب دخل ثابت. من مسابقة سيجاب للصورة 2013.

بقلم غريتا بول

كان أحد الجوانب الحسنة لجائحة كورونا هو أنها أتاحت وقتا للتوقف والتفكير في مسائل ربما كنا قد اعتبرناها في السابق أمرا مسلما به. ففي بداية الأزمة، قررت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء التركيز على دعم قطاع التمويل الأصغر باعتباره إحدى أولوياته، مع اعتبار أن هذا القطاع سيتعرض على الأرجح لضغوط كبيرة. وقد أصبح من الواضح مع مرور الوقت أن الآثار الاقتصادية للجائحة لن تكون صدمة قاسية تحدث مرة واحدة، بل سلسلة أزمات متجددة تقع على مدى أشهر بل سنوات، مع انتشار تعطل النشاط وحالة عدم اليقين الناجمين عن الجائحة في مختلف اقتصادات العالم. ومع دخول خريف عام 2020، ينتقل التركيز من الاحتياجات الفورية للسيولة والسيطرة على الأضرار إلى بناء قطاع تمويل أصغر أكثر قوة ومرونة في المستقبل. وعند مناقشة إعادة البناء بشكل أفضل، تُعرض الحاجة إلى الرقمنة بشكل تلقائي كحل. ولكن نادراً ما نستكشف السبب في أن هذا قد يمثل حلا، أو ما الذي قد يستغرقه إدخال التمويل الأصغر بشكل كامل في العصر الرقمي. كما أنه يتجاوز بعض المحادثات غير المريحة التي قد نحتاج إلى إجرائها حول نموذج أعمال التمويل الأصغر واستمراريتها في العصر الرقمي.

"أود أن أشير إلى أن هناك حاجة للتمويل الأصغر التقليدي لمواجهة التحدي الذي تطرحه التكنولوجيا الرقمية منذ بعض الوقت: فقد أدت الجائحة إلى تسريع وتيرة هذه العملية." 

أود أن أشير إلى أن هناك حاجة للتمويل الأصغر التقليدي لمواجهة التحدي الذي تطرحه التكنولوجيا الرقمية منذ بعض الوقت: فقد أدت الجائحة إلى تسريع وتيرة هذه العملية. وفي هذا المقال، سأطرح سبب اعتقادي بأنه يستحق الاستثمار في التحول الرقمي للتمويل الأصغر التقليدي، وسبب أنه من الحتمي أن يأخذ القطاع هذا التحول على محمل الجد. وسأتحدث أيضا عن تحديات التحول الرقمي وأعرض بعض الأفكار حول الفرص التي تتيحها الرقمنة. وأخيراً، سأناقش دور مختلف الجهات الفاعلة في نظام التمويل الشامل، حيث أعتقد أنه من غير الواقعي الاعتقاد بأن مقدمي التمويل الأصغر سيتمكنون من تحقيق هذا التحول دون دعم خارجي.

ما أهمية مؤسسات التمويل الأصغر؟

قابلت عدداً من المراقبين لقطاع التمويل الأصغر منذ فترة طويلة لإعداد هذا المقال، وعندما شرحت ما أردت استكشافه، كان السؤال المشترك هو: "لماذا تركزون على مؤسسات التمويل الأصغر؟" -- يعني ضمنا ، "لماذا العناء؟" هناك الكثير من الأمور المثيرة التي تحدث في عالم التكنولوجيا المالية، فلماذا يهتم أي شخص بمؤسسات التمويل الأصغر؟ جوابي المختصر هو أنها مهمة لحياة الفقراء. وهي على القدر نفسه من الأهمية التي لمؤسسات تمويل التنمية المجتمعية هنا في الولايات المتحدة: فهي تقدم خدمات مالية مناسبة لفئات منخفضة الدخل ومستبعدة، وذلك بشروط ميسورة وبشكل يتسم بالمسؤولية.

وبالطبع، فإن النص الضمني للرد من مراقبي القطاع هو أنهم يشعرون بأن هناك منافسين رقميين ناشئين سيتجاوزون مؤسسات التمويل الأصغر ويمكنهم ببساطة القيام بهذه المهمة على نحو أفضل. وقد يثبت ذلك في نهاية المطاف أنه صحيح، ولكن في رأيي، من السابق لأوانه حاليا أن نقول ذلك. وفي حين أن لدينا أدلة على أن نماذج الأعمال التي تدعم التكنولوجيا هي أكثر ذكاء وأكثر قدرة على التوسع، فإنه ليس من الواضح بعد أن هؤلاء المنافسين الرقميين يمكنهم تقديم نفس الخدمات بشكل يتمس بالمسؤولية، وخاصة لأنواع العائدات المتوقعة من جانب مستثمريهم. كما أنه ليس من الواضح أنها ستصل إلى الفقراء بأي شكل معقول، ولا سيما مع المنتجات التي تهدف إلى دعم سبل العيش المستدامة في الطرف الأدنى من جدول الدخل.

ومن الجدير دراسة هذه المسألة من خلال منظوري النطاق والأثر، لأنني أود أن أقول إن مؤسسات التمويل الأصغر قد قامت بعمل جيد بشأن الأثر وإن كانت أقل نجاحا بشأن النطاق. والمنافس الرقمي يصل بسهولة إلى النطاق وإن لم يكن يقدم نفس أنواع الخدمات إلى السوق، ناهيك عن تقديمها له بقدر من المسؤولية. ولكن هذا الوضع قد يتغير، وينبغي أن يكون ذلك بمثابة جرس إنذار لمؤسسات التمويل الأصغر التقليدية.

في الأيام الأولى من إطلاق شركة M-Pesa، كان الحديث في مجتمع الشمول المالي هو أن M-Pesa نموذج متفوق للتمويل الأصغر لأنه يمكن أن يحقق النطاق المطلوب. ولكن M-Pesa لم تكن تقدم نفس الخدمة مثل مؤسسات التمويل الأصغر: كانت M-Pesa تبني نظاما للدفع. وأنظمة الدفع التقليدية مثل فيزا وماستركارد لديها عدد من العملاء يزيد عن أي بنك واحد في شبكاتها. فهي تقدم خدمة شبكية واسعة النطاق وتترك خدمات العملاء الأخرى مثل القروض والمدخرات للبنوك الأعضاء فيها. وتقوم مؤسسات التمويل الأصغر أساساً بوظيفة مماثلة للبنوك في هذا القياس، فهي لا تقدم سوى الإقراض لأغراض إنتاجية لأفراد ليس لديهم تاريخ ضماني أو ائتماني. المشكلة لمؤسسات التمويل الأصغر هي أن مقدمي خدمات الدفع الرقمي مثل M-Pesa سرعان ما أصبحوا منصات للعديد من الخدمات المالية الأخرى التي تقدمها أطراف ثالثة، وبعض هذه الحلول بدأت تبدو تشبه إلى حد كبير التمويل الأصغر الرقمي. شركات مثل آي للتمويل في الهند وتييندا باجو TiendaPago في بيرو وكوبوكوبو في كينيا وكونفيو في المكسيك توضح كيفية القيام بالإقراض المنتج القائم على التدفقات النقدية بطريقة أكثر كفاءة ومراعاة للعملاء وقابلة للتوسع أكثر من التمويل الأصغر التقليدي. وهذه الشركات لديها واجهات برمجة التطبيقات والبيانات والقدرات التقنية للقيام بذلك على نطاق واسع، والتكيف مع تلبية الاحتياجات المتغيرة لعملائها مع مرور الوقت.

التوسع في النطاق هو مشكلة رئيسية لمؤسسات التمويل الأصغر، لأنه مهم لأسباب القدرة التنافسية والمرونة على السواء. وقام تود واتكينز مؤخرًا بإنتاج تحليل مثير للاهتمام للبيانات من مجموعة بيانات MIX لعام 2015(1) مما يدل على أن متوسط التكلفة الإجمالية للاقتراض من إحدى مؤسسات التمويل الأصغر الصغيرة أو المتوسطة الحجم (نحو 100 ألف عميل) أعلى بنسبة 60% تقريبًا من تكلفة الاقتراض من مؤسسة ضخمة للغاية (تعرّف بأنها تخدم أكثر من مليون عميل). ولا تقدم مؤسسات التمويل الأصغر الضخمة للغاية للعملاء صفقة أفضل فحسب، ولكن هوامش أرباحها أكبر بنحو 2.5 مرة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ومن الواضح أنه إذا رغبت مؤسسات التمويل الأصغر في الحفاظ على قدرتها التنافسية وبناء مرونتها المؤسسية، فإنها تحتاج إلى زيادة نطاق عملياتها. وللأسف، لم يكن لدى سوى 560 مؤسسة من مؤسسات التمويل الأصغر من عينة MIX أكثر من  100 ألف مقترض، وكان لدى 62 مؤسسة فقط أكثر من مليون مقترض. ولا يزال نطاق التمويل الأصغر يشكل تحديا خطيرا. وهذا يعني أن تنوع المنتجات والمرونة المؤسسية والتكلفة التي يتحملها العميل لا تزال دون المستوى الأمثل في الغالبية العظمى من مؤسسات التمويل الأصغر، مما يجعلها بالتالي هدفًا سهلًا للمنافسين الرقميين، الذين يتمتعون بمزايا النطاق والكفاءة داخل نماذج أعمالهم منذ البداية.

ولكن هل تصل نماذج الأعمال الجديدة هذه إلى نفس العملاء الذين لا يحصلون على خدمات مثلما تفعل مؤسسات التمويل الأصغر؟ في حين أثبتت النماذج الرقمية الجديدة كفاءتها وقدرتها على التوسع، أعتقد أن هناك أدلة أقل كثيرا على أنها تصل إلى الفقراء. وستصل مؤسسات التكنولوجيا المالية المذكورة أعلاه على الأرجح إلى أجزاء أكبر من القطاع الرسمي لسوق الشركات الصغرى والصغيرة، لأن قدرتها على الوصول إلى صغار التجار الذين يفتقرون إلى وسائل الدفع الرقمية محدودة. ومع ذلك، ومع وصول نماذج الأعمال القائمة على المنصات بطرق أكثر إلى رقمنة التجار الصغار وبالقطاع غير الرسمي وتقديم الائتمان لهم، فقد يتغير هذا الوضع. ومن المستحسن أن تراقب مؤسسات التمويل الأصغر هذه الاتجاهات وأن تجد سبلاً لدمجها في أنشطة أعمالها، إما ببناء قدراتها الخاصة أو بالشراكة مع مؤسسات التكنولوجيا المالية التي غالباً ما تحتاج إلى مؤسسة مالية لضمان إقراضها القائم على البيانات.

والشاغل الأكبر هو ما إذا كانت هذه المنتجات يتم تقديمها بطريقة تتسم بالمسؤولية. إن التوسع الشديد في الائتمان الرقمي عالي التكلفة في معظم أنحاء أفريقيا، والممارسات الاستغلالية التي صاحبته في كثير من الأحيان، يعرضان قصة تحذيرية عن المخاطر المحتملة التي يمكن أن تنشأ عندما تحاول نماذج الأعمال عالية التكنولوجيا مع مستثمرين نهمين خدمة المجتمعات المهمشة المنخفضة الدخل.

"إذا ظل التمويل الأصغر صغيراً ومهمشاً، فلن يترك للكثير من الفقراء خيارات قليلة خلاف الائتمان الاستهلاكي الرقمي عالي التكلفة فحسب، بل سيعني أيضاً أن مؤسسات التمويل الأصغر ستظل عرضة للأزمات معتمدة على الدعم الخارجي... وفي هذا السياق، أرى حجة قوية لمضاعفة تركيزنا على قطاع التمويل الأصغر." 

من المرجح أن تكون هناك مساحة لما يمكن أن تستوعبه نماذج التكنولوجيا المالية الجديدة هذه من حيث خدمة العملاء ذوي الدخل المنخفض. ولكن الخطر هو أنه مع مرور الوقت، سيتم محاصرة مؤسسات التمويل الأصغر وتركها لخدمة شرائح العملاء الهامشية على نحو متزايد، ما من شأنه أن يبقيها على نطاق دون المستوى المطلوب، ويمنعها بالتالي من النمو والتطور مع أفضل عملائها. إذا ظل التمويل الأصغر صغيراً ومهمشاً، فلن يترك للكثير من الفقراء خيارات قليلة خلاف الائتمان الاستهلاكي الرقمي عالي التكلفة فحسب، بل سيعني أيضاً أن مؤسسات التمويل الأصغر ستظل عرضة للأزمات معتمدة على الدعم الخارجي. كما أن البعض قد لا ينجو.

في هذا السياق، أرى حجة قوية لمضاعفة تركيزنا على قطاع التمويل الأصغر - الذي يملك سجلا طويلا في خدمة المجتمعات الفقيرة - ومساعدة مؤسسات التمويل الأصغر على التكيف والتحول للعصر الرقمي. ويمثل التمويل الأصغر فرصة لبناء نظام مصرفي مجتمعي يخدم الفقراء بدلا من أن يستخرج قيمةً منهم، وذلك مثلما تفعل المؤسسات المالية للتنمية المحلية من أجل الشرائح ذات الدخل المنخفض والمهمشة في الولايات المتحدة. لهذا السبب وحده، أعتقد أن الأمر يستحق مواصلة الاستثمار في التمويل الأصغر، على الأقل حتى يتضح أن نماذج المنافسين قادرة على الوصول إلى أسفل شرائح السوق والقيام بذلك على نحوٍ يتصف بالمسؤولية. هل ستكون مؤسسات التمويل الأصغر مربحة للغاية؟ إن الإجابة بالنفي على الأرجح. لكن يمكن أن تكون مكتفية ذاتيا، ولها تأثير على حياة الفقراء. ولا يزال النطاق مشكلة حقيقية، والرقمنة ليست هي الحل السحري. ولكن بإلقاء نظرة طويلة فاحصة على نماذج الأعمال وإعادة التفكير في كيفية عمل مؤسسات التمويل الأصغر، تمثل الرقمنة فرصة للقطاع للحفاظ على وضع تنافسي والازدهار من خلال توفير خدمات تتسم بالمسؤولة لعملائها ذوي الدخل المنخفض.

ما الذي تعلمناه عن التحول الرقمي؟

إن مهمة إدخال التمويل الأصغر التقليدي في العصر الرقمي لن تكون مهمة تافهة. فبعد أن سببت التكنولوجيا هزة شديدة لخدمات التجزئة المالية، يبدو أن التمويل الأصغر غارق في عالم غريب من الخدمات حيث لا يبدو أن هناك الكثير قد تغيّر. يعتمد العديد من مؤسسات التمويل الأصغر على نموذج أعمال شديد التواصل عالي التقنية تم تصميمه قبل 50 عامًا من أجل البساطة والمحاكاة، وليس للتكيف والنمو. وهناك العديد من الطرق التي يمكن بها استخدام التكنولوجيا، لكن أصبح من الواضح بشكل متزايد أن هناك أربع فئات رئيسية من التغير ستكون أكثر أهمية مع تحوّل مؤسسات التمويل الأصغر، وهي كالتالي:

  • القنوات. من أهم الرؤى التي نشأت مع جائحة كورونا الحاجة إلى إيجاد طرق جديدة للوصول إلى العملاء والتفاعل معهم، ليس فقط لأن علينا أن نلاحظ التباعد الاجتماعي، لكن لأنه حتى في الأوقات العادية، يقدّر الناس الراحة والخدمات التي تعكس احتياجاتهم. وقد بدأ العديد من مقدمي الخدمات بحكم الضرورة في بناء قنوات بديلة في مواجهة الجائحة، بما في ذلك التوسع في استخدام شبكات الوكلاء، وتعريف العملاء في الأماكن البعيدة بالمنتجات، وتعزيز استخدام مراكز الاتصال. وسيستمر هذا الاتجاه، إما من خلال التكامل مع منصات أكبر أو بناء قنوات خاصة بالمؤسسة. وعندما يتم ذلك بشكل جيد، ستكون له فائدة إضافية تتمثل في خفض التكاليف وتوسيع نطاق الوصول.
  • استخدام البيانات. أصبحت البيانات على نحو متزايد مركزية في نماذج الأعمال للخدمات المالية، وهذا الاتجاه ستتسارع وتيرته. ومع ذلك، تكافح مؤسسات التمويل الأصغر منذ مدة بعيدة مع رقمنة بيانات العملاء وإدارتها. إن قدرة هذه المؤسسات على جمع واستخدام البيانات ذات الصلة أمر أساسي للعديد من التغيرات التي تحتاج إلى إجرائها للتنافس، من التسعير القائم على المخاطر إلى الإدارة الفعالة لمخاطر الائتمان، ومن تصميم المنتجات الجديدة إلى إدارة علاقات العملاء، ومن تحسين الكفاءة التشغيلية إلى نمو المحفظة مع مرور الوقت. وكلما استمرت هذه المؤسسات فترة أطول في بناء هذه القدرات، تخلفت عن المنافسين الأكثر ذكاء.
  • تنويع المنتجات. ستحتاج مؤسسات التمويل الأصغر إلى التوسع في الخدمات التي تقدمها بطريقة تلبي مطالب العملاء وتعزز الولاء أو تجد طريقة لجعل خدمات الغير متاحة دون فقدان علاقات العملاء. وهناك قدر معين من ولاء العملاء عند تقديم مجموعة من الخدمات التكميلية. ولكن تنويع المنتجات يتطلب أن يتوفر لدى مؤسسات التمويل الأصغر بيانات أفضل، فضلاً عن قدرات العمليات المساندة ومهارات تكنولوجية أكثر تطوراً.
  • أنظمة أساسية مرنة. يتمثل كل ذلك في الحاجة إلى بناء نظم أساسية لتكنولوجيا المعلومات وإدارة البيانات تكون أكثر مرونة، وهي النظم التي كانت تشكل عادة نقطة ضعف لمؤسسات التمويل الأصغر. إن القدرة على تطوير وتكييف نماذج أعمال وظهورها في نظم أكثر مرونة لتكنولوجيا المعلومات هي على نحو متزايد عامل محدد في العصر الرقمي. ومع الحوسبة السحابية ومقدمي الخدمات المصرفية كخدمة (BaaS) حيث يتم تلبية هذا الطلب الآن في القطاع المصرفي، فإن حلول تكنولوجيا المعلومات المشتركة يمكن أن تشكل عامل تغيير لقطاع التمويل الأصغر. وستحتاج مؤسسات التمويل الأصغر إلى الاستثمار في بعض المهارات والبنية التحتية، ولكن حلول البائعين تتطلب استثماراً أقل من التحول بمفردها.

وفي حين أن الاتجاه أصبح واضحا بشكل متزايد، فهناك عدد من التحديات في النماذج التقليدية للتمويل الأصغر ستشكل عقبات خطيرة أمام الرقمنة، وكثير منها يدور حول نقاط الضعف الأساسية في نموذج الأعمال نفسه، بما في ذلك ضعف الحوكمة، وصعوبة اجتذاب الخبرة التقنية، وعدم كفاية الموارد، وجمود نماذج الأعمال، وشدة الاعتماد على العمليات اليدوية، على سبيل المثال لا الحصر. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، جرب العديد من مؤسسات التمويل الأصغر الرقمنة، ولكنها قامت بذلك في الغالب باستخدام أموال المانحين بطرق تجنبت بحرص التحديات التي تواجه نموذج الأعمال الأساسي. واحدة من الدروس الرئيسية لهذا العمل هو أنه يتعذر تجنب دراسة نموذج الأعمال الأساسي في مستقبل أكثر رقمنة. وقد ترى إحدى هذه المؤسسات أن مجرد استحداث قناة أو منتج ائتماني يمثل تعديلا لنشاطها، ولكن من المرجح أن تموج مثل هذه التغييرات في أنحاء المؤسسة بطرق غير متوقعة. ومن ثمّ، يجب أن يتطور نموذج الأعمال الأساسي.

كيف ينبغي لنا أن نتعامل مع التحول الرقمي؟

التغيير سينطوي على ما هو أكثر من الاستثمار في التكنولوجيا. فهو سيشتمل بالضرورة على نظرة فاحصة للمؤسسة. وهذا النوع من إدارة التغيير يصعب القيام به. ونظرا لذلك، أعتقد أنه يجب توفر بعض الشروط كي يتسنى للمؤسسة أن تفكر في التحول الرقمي:

  • فهم احتياجات العملاء. ينبغي أن تعتمد مؤسسة التمويل الأصغر في تحوّلها على فهم متين لما يحتاجه العملاء ويقدرون على دفعه وهم مستعدون لذلك. وينبغي أن يكون هذا هو الأساس لرؤيتها على المدى الطويل وسيضمن بقاء العملاء الأساسيين مع المؤسسة وهي تنمو. وقد اتسم التمويل الأصغر بنموذج عمل بسيط سهل المحاكاة، لكن مؤسسات التمويل الأصغر الناجحة ازدهرت في معظمها من خلال التطور بمرور الوقت لتلاؤم احتياجات عملائها وتطلعاتهم.
  • استراتيجية واضحة. حالما تتوفر لدى مؤسسة التمويل الأصغر فكرة واضحة عن اتجاهها المطلوب، فإنها تحتاج بعد ذلك إلى صياغة خطة عمل والتغييرات التكنولوجيا اللازمة للوصول إلى مقصدها. فالأمر ليس مجرد وضع حل تكنولوجي على رأس نموذج أعمال غير فعال، فذلك هو وصفة لدوام نموذج أعمال دون المستوى. ومن الأهمية بمكان أن تتوفر رؤية واضحة بشأن التحديات وما المطلوب للتغلب عليها. وبناء على ذلك، ينبغي وضع خطة عمل مع تحديد تكاليفها بالكامل والاتفاق عليها مع مجلس الإدارة.
  • الالتزام والتركيز. التحول الرقمي هو عملية ضخمة في إدارة التغيير ويتطلب التزاما قويا بدءً من مجلس الإدارة وحتى موظفي القروض. وإذا لم يفهم أصحاب المصلحة المؤسسيون الرئيسيون ما تقوم به المؤسسة وأسبابه، سيتعذر للغاية إجراء هذا التغيير. وإلى جانب ذلك، تأتي مسألة الثقافة السائدة. فعقلية التكيف المطلوبة للتحول الرقمي تتعارض تماماً مع الطريقة التي تعمل بها معظم المؤسسات المالية. فلا يمكن وضع عرض رقمي على رأس بنك تقليدي وتعلن النصر. ويتعين على المؤسسة أن تكون على استعداد لأن تخسر أجزاء من نموذج أعمالها الحالي كي يتسنى إجراء التحّول. وبالمثل، فإن القدرة على مواصلة التركيز على الهدف الطويل الأجل أمر بالغ الأهمية: فقد شرع العديد من مؤسسات التمويل الأصغر في مشاريع رقمية فقط لتحويل مجال تركيزها في أماكن أخرى في مواجهة الأولويات المتغيرة. والتركيز على نهج تكيفي يتيح التعديل والتحسين هو أمر حتمي في تحقيق التحول الحقيقي، وهو كذلك القدرة على البقاء على المسار.
  • المهارات. من الواضح أن المهارات الرقمية القوية ستكون مهمة وغالباً ما يفتقر إليها كثير من مؤسسات التمويل الأصغر. ومن الأهمية بمكان توفر موظفين أساسيين لديهم القدرة على تقييم الحلول التي تعتمد على التكنولوجيا وتوجيه اعتمادها، وهذه المهارات نادرة ومكلفة. ومن الجدير أيضاً أن يعكس الأمر ما إذا كانت المؤسسة تمتلك مهارات أخرى قد تتأثر بالتحول، بما في ذلك إدارة المخاطر والخزانة والمهارات الأساسية لتكنولوجيا المعلومات.

"لقد ذاقت لمؤسسات عديدة طعم التغيير عند الاستجابة لجائحة كورونا، حيث انتقلت سريعا من نماذج العمل المباشر إلى دمج وظائف الخدمة عن بعد. وقد أصبح الكثيرون يدركون أن الرضا عن الذات لم يعد خيارا. وستكون الخدعة هي الحفاظ على الزخم." 

لقد ذاقت مؤسسات عديدة طعم التغيير عند الاستجابة لجائحة كورونا، حيث انتقلت سريعا من نماذج العمل المباشر إلى دمج وظائف الخدمة عن بعد. وقد أصبح الكثيرون يدركون أن الرضا عن الذات لم يعد خيارا. وستكون الخدعة هي الحفاظ على الزخم. ولا يوجد مسار واحد لاستحداث الرقمنة في نشاط المؤسسة، كما أنها ليست مهمة لمرة واحدة، بل هي رحلة مستمرة للتكيف والتغيير، لذلك يجدر الاستثمار في المهارات والمعارف للقيام بذلك الآن وفي المستقبل.

التغير التحولي للتمويل

إذا كانت احتمالات تحوّل مؤسسات التمويل الأصغر مرعبة، فهناك مسألة مخيفة بنفس القدر هي الكيفية التي سندفع بها ثمن التحول. دعونا نبدأ بنقطتين اثنتين واضحتين، لكن غالبا ما يجري تجاهلهما. أولاً – خدمة الفقراء أمر صعب ومن الصعب تحقيق أرباح إذا كنت تخدمهم على نحوٍ يتسم بالمسؤولية. والخبر السار هو أن التكنولوجيا يمكن أن تساعد في خفض تكلفة القيام بذلك. لكن هذا يقودني إلى نقطتي الثانية الواضحة: التكنولوجيا تُكلف أموالا. وتحتاج إلى خبرة تقنية لتطبيقها. وإذا اتفقنا على أن قطاع التمويل الأصغر يلعب دورا حاسما في خدمة الفقراء، ولكنه يحتاج إلى رقمنة كي يظل قادرا على المنافسة، فإن الأموال يجب أن تأتي من مكان ما. وأود أن أقول إن هذا يتطلب إعادة النظر في كيفية تمويل هذا القطاع.

جاء التمويل تاريخياً من ثلاثة مصادر رئيسية هي: المستثمرون في الأثر التجاري وأدوات الاستثمار في التمويل الأصغر، ومؤسسات تمويل التنمية، والجهات المانحة. وقد تحول التوازن فيما بينها بمرور الوقت، بعيدا عن الاعتماد الشديد على المانحين وإلى مصادر تمويل تجارية بدرجة أكبر. وهذا أمر مفيد: فهو يوضح أن هذا القطاع مستدام مالياً. لكن إذا أردنا إحداث أثر تحولي في القطاع، فإنه سيحتاج إلى استثمارات إضافية وتحمل مخاطر، ولتحقيق ذلك، تحتاج بيئة التمويل الشامل إلى أن تبدأ التحرك كفريق مرة أخرى.

ففي الأيام الأولى للتمويل الأصغر، كان لمجموعات مختلفة من الممولين أدوار مختلفة: قدم المانحون رأس المال الأساسي والمساعدة التقنية، ومولوا المنافع العامة مثل مشروع "ميكس" واستثمارات تجارية تم تخفيف مخاطرها من خلال صناديق مختلطة؛ وقد أقامت مؤسسات تمويل التنمية أسواقاً من خلال إنشاء مؤسسات رئيسية وتحفيز الاستثمار المحلي في قطاع التمويل الأصغر في أمريكا اللاتينية، حيث تم ضمان إصدارات سندات في الهند، والاستثمار في مؤسسات جديدة للتمويل الأصغر في أفريقيا؛ وقام مستثمرون تجاريون ببناء أدوات متخصصة للاستثمار في التمويل الأصغر من أجل استثمار الأموال التجارية بكفاءة في مؤسسات التمويل الأصغر. وفي الآونة الأخيرة، كان هناك تقارب متزايد في الأدوار. إذا كنت قد رأيت من قبل مجموعة من أطفال في الخامسة من العمر وهم يلعبون كرة القدم، فأنت تعرف ما يبدو عليه هذا: فهم يطاردون جميعا الكرة مثل سرب من النحل؛ ليس لديهم أدوار متمايزة. وإذا كنا سنواصل تطوير قطاع التمويل الشامل، فعلينا أن نعود للعب كفريق - بمهاجمين وخط وسط ومدافعين. فماذا يعني ذلك لمختلف المانحين؟ التركيز على ما يمكن أن تسهم به كل منهم بشكل فريد.

ينبغي أن تشجع أدوات الاستثمار في التمويل الأصغر على زيادة المرونة من خلال استثماراتها التجارية. ينبغي أن تطالب بالمزيد من مستثمريها من حيث إدارة المخاطر وقدرات الإبلاغ والتفكير الخلّاق في استخدام اتفاقات القروض لتحفيز التركيز على تعزيز المرونة. ويتمتع المستثمرون في أسهم رأس المال بتأثير أكبر من خلال دورهم في الحوكمة المؤسسية وينبغي أن يشجعوا على مواصلة رحلة الرقمنة التي بدأت نتيجة لصدمة جائحة كورونا. وهناك دور لصناديق أسهم رأس المال المتخصصة، مثل تلك التي تجمعها مؤسسة Accion، للاستثمار في مؤسسات التمويل الأصغر التي تملك خطط تحول رقمي مقنعة. ويمكن للمستثمرين الاستراتيجيين أيضا أن يلعبوا دورا في دفع هذا التغيير قدما، كما تفعل مؤسسة BBVA مع شبكتها من مؤسسات التمويل الأصغر في أمريكا اللاتينية. وبالإضافة إلى البيانات المالية وبيانات الأثر، ينبغي للمستثمرين أن ينظروا في اعتماد مؤشرات أداء رئيسية تعكس تحسن العمليات وزيادة الكفاءة والمرونة المؤسسية.

تحتاج مؤسسات تمويل التنمية إلى استئناف دورها في دفع حدود التمويل الشامل. لعبت هذه المؤسسات دوراً تحولياً في بناء صناعة التمويل الأصغر. وهناك الآن حاجة إلى دفع القطاع إلى أبعد من ذلك من خلال تبني التحول الرقمي. ويمكن لمؤسسات تمويل التنمية أن تقدم دروساً من التكنولوجيا المالية لمؤسسات التمويل الأصغر التقليدية وأن تدعم مشورتها الفنية بتمويل استثماري. ويمكنها أن تبني حلولا للمشاكل الصعبة حقا، مثل جعل مرافق العملة المحلية أكثر توافرا في الأسواق الصعبة من خلال أدوات التمويل المختلط، والضمانات للإقراض بالعملة المحلية من جانب المصارف المحلية، والمساعدة في ضمان السندات بالعملة المحلية. وكي يحدث التحول الرقمي، سيتعين عليها أن تتجه إلى تحمّل بعض التكاليف والمخاطر التي ينطوي عليها، وأن تستفيد من علاقاتها مع الجهات المانحة للمساعدة في دعم الاستثمارات الأكثر خطورة.

أخيرا، للجهات المانحة دور فريد تقوم به. في السنوات الأخيرة، أصبح رأس المال الذي يمكن تحقيق عائد عليه يمثل أولوية للعديد من المانحين الذين يسعون إلى جعل ميزانيات المعونة الخاصة بهم تمضي إلى حدود بعيدة. ولكن المانحين يمكنهم تحمل مخاطر لا يستطيع غيرهم تحملها. وكلما كان تركيز المانحين لمواردهم المحدودة على محاكاة ما يفعله المستثمرون، قلّ الاستثمار في المشاريع ذات الأهمية الحيوية التي تساعد على بناء قطاع للتمويل الشامل. ويمكن للمانحين أن يقوموا بدور فريد، مع ما قد يترتب على ذلك من آثار مضاعفة كبيرة، وذلك عن طريق ما يلي:

  • إعادة النظر في المنافع العامة. أظهرت stack الهندية مدى قوة البنية التحتية للسوق الجيدة للنفع العام، ولكن القليل من البلدان لديها الموارد التي تمتلكها الهند. ويتعين على المانحين أن يفهموا وأن يستثمروا بحكمة في البنية التحتية الجديدة للسوق التي تحركها التكنولوجيا. وهناك أيضاً دور ينبغي أن يقوموا به في دعم الجهات التنظيمية التي ستلعب حتماً دوراً في أي حلول بين القطاعين العام والخاص.
  • استكشاف الخدمات المشتركة. على الرغم من أن هذا الفضاء جديد تماماً، فإن الجهات المانحة يمكن أن تساعد في تشجيع مقدمي الخدمات المصرفية كخدمة على تقديم خدماتهم إلى الأسواق الناشئة. ويمكن أن تكون الخدمات المشتركة التي يتم تقديمها بخبرة على أساس البنية التحتية السحابية والبيانات نقطة هامة من نقاط الرفع المالي لصناعة التمويل الشامل.
  • إزالة المخاطر الصعبة. لا تزال مخاطر الصرف الأجنبي تشكل تحديا كبيرا أمام المستثمرين في الأسواق الناشئة. وتمتلك مؤسسات تمويل التنمية المهارات اللازمة لوضع حلول تحوطية، ولكنها غالباً ما تحتاج إلى أن يأتي المانحون للمساعدة في التخفيف من المخاطر وجعل الأدوات التحوطية في متناول الجميع. وفي الأسواق التي يكون فيها التحوط صعبا ومكلفا للغاية، يمكن أن يساعد المانحون في إنشاء مرافق إقراض بالعملة المحلية يتم تجديد مواردها وإدارتها محليا.
  • الاستثمار الاستراتيجي في التحوُّل الرقمي. قام المانحون لسنوات بتمويل تجارب في عملية الرقمنة، وعادة ما يتطلب ذلك مساهمة عينية اسمية. وهذا يضمن تقريباً أن يكون الالتزام المؤسسي هامشياً، شأنه في ذلك شأن أي مكاسب. وينبغي أن يستثمر المانحون في مؤسسات التمويل الأصغر التي ترغب في المساهمة، إما من ميزانياتها العمومية أو ضمن استثمار خارجي. وينبغي على المانحين أيضاً أن يفكروا في زيادة صناديق التحول مثل الصندوق الذي تقوم مؤسسة Accion ببنائه أو دعم المساعدة التقنية المرتبطة بالاستثمارات الرقمية المستهدفة من خلال مؤسسات تمويل التنمية ذات الأذرع الاستشارية كمؤسسة التمويل الدولية.

وعلى الرغم من الضجة المثارة بعكس ذلك، فإن بناء أنظمة مالية شاملة أمر صعب ويتطلب اهتماماً وتركيزاً واستثماراً. وقد أظهر لنا الابتكار الرقمي ما هو ممكن، ولكن في السنوات القادمة يتعين علينا التأكد من أنه يعمل لصالح الفقراء. ولا يتعلق الشمول المالي بعدد الحسابات التي نفتحها، بل يتعلق بما يمكن أن تفعله تلك الحسابات لتحسين حياة الفقراء والنهوض بها.

وليس الغرض من هذا المقال الدعوة إلى إنقاذ قطاع التمويل الأصغر بأكمله من تداعيات جائحة كورونا، كما لا يعني أن الاستجابة الوحيدة للجائحة هي أن تستثمر كل مؤسسة للتمويل الأصغر في التحول الرقمي. بل أن يتضح أن التمويل الرقمي لم يرق بعد إلى مستوى إمكانياته الكاملة، ولا يزال التمويل الأصغر يلعب دورا هاما، وله مكان في النظام المالي الشامل في المستقبل. ولكنه سيحتاج إلى التكيف والتطور وإلا فإنه قد لا يستمر، وسيكون لذلك آثار عميقة، سواء على القطاع أو على العملاء الفقراء الذين يخدمهم. وسيتطلب الأمر عملاً شاقاً لجعل هذا القطاع أكثر مرونة واستعداداً لمواجهة مستقبل رقمي تنافسي متزايد. ولكنه استثمار يستحق أن يُصنع.

(1) واتكينز، "تركيز صناعة التمويل الأصغر ودور مؤسسات التمويل الأصغر الضخمة والمربحة"، من "مستقبل التمويل الأصغر"، ليبرمان وآخرون، 2020.

تم نشر هذا المقال في الأصل على مدونة سيجاب في اللغة الإنجليزية.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.