مدونة البوابة

كوفيد-19: كيف يمكن للتمويل الأصغر أن يخفف من وقع العاصفة القادمة؟

تصوير فهميو روحيتافاريه. مسابقة سيجاب للتصوير 2015.

مما لا شك فيه  أن فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) قد وصل إلى البلدان النامية. فقد تم الإبلاغ عن مئات الحالات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وجنوب آسيا، والآن أبلغ على الأقل 30 بلدا في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء عن وجود العدوى. وأعلنت  كل من جنوب أفريقيا والهند أنهما ستغلقان كل شيء لمدة ثلاثة أسابيع وقد يحذو آخرون حذوهما. في ظل قصور التجهيز الذي تعاني منه أنظمة الرعاية الصحية في التصدي للوباء، ثمة العديد من الأسباب التي تجعل المرء على يقين من أن تأثير الفيروس في هذه البلدان سيكون أكثر تدميرا عما كان عليه في البلدان المتقدمة، مع ارتفاع أكبر في معدلات الوفاة.

وقد أدركت البلدان التي ضربها الفيروس أولا عواقب الدمار الذي سيجلبه المرض وتوقف الأنشطة الاقتصادية على المشاريع الصغيرة، والمؤسسات المالية التي تخدمها وعلى اقتصادها عامة. والسؤال المطروح الآن في هذه البلدان ليس عما إذا كانت هناك حاجة ماسة للتحرك السريع بل عن نطاق هذا التحرك.

ومع هذا، فلا نرى حتى الآن سوى القليل من الأدلة على أن مجتمع التمويل الأصغر العالمي قد أحاط بالنطاق الكامل للأزمة بينما يتفشى الفيروس في البلدان الأقل تقدما. وفيما يحشد المجتمع الدولي جهوده للتصدي لأزمة كورونا المستجد (كوفيد 19)، فإننا في حاجة إلى اتخاذ خطوات فورية للتأكد من عدم التخلي عن الصناعة العالمية التي توفر الخدمات المالية لأشد الفئات فقرا.

توقف لحظات لتتأمل بعضا من العوامل المتعلقة بالأزمة الاقتصادية المحدقة التي تواجهها هذه الصناعة والتداعيات المحتملة على عملائها من الفقراء:

  1. فحتى قبل وصول الفيروس إلى نصف الكرة الجنوبي، كانت أحوال الاقتصاد العام  قد تدهورت بالسرعة الكافية لإحداث صدمات خطيرة  للعديد من البلدان النامية. فقد انخفضت أسعار الموارد الطبيعية مع انكماش الطلب العالمي وإغلاق الصين لمصانعها. وتوقفت صناعة الملابس العالمية بالفعل. كما يواصل العمال المهاجرون فقدان وظائفهم أو يرحلون إلى موطنهم، فيما بدأ تدفق التحويلات المالية الدولية في الهبوط بشكل حاد. ويهرب رأس المال إلى الملاذ الآمنة فيما تنهار أسواق الأسهم. وتوقفت حركة السياحة والسفر. والفقراء هم أول من يشعر بوطأة هذا التأثير.
  2.  الطريقة الوحيدة لاحتواء معدلات انتشار العدوى هي التباعد الاجتماعي، فيما تعكف العديد من البلدان النامية على تطبيق نوع من سياسات الحجر الصحي للحد من تفشي المرض. هذه السياسات ستكون على الأرجح أقل شمولية مما هي عليه في كوريا الجنوبية وسنغافورة، بيد أن لها تأثيرا مدمرا على قدرة الفقراء على مواصلة تأمين موارد رزقهم. وقد خلصت دراسة حديثة عن وباء الإيبولا إلى أن أشد القطاعات تأثرا هي قطاع الشركات الحضرية غير الزراعية في القطاع غير الرسمي، والتي تشكل في الأساس غالبية عملاء التمويل الأصغر في العالم.
  3.  مؤسسات التمويل الأصغر تخدم 140 مليون شخص من منخفضي الدخل في العالم من خلال خدمات الادخار والائتمان، وذلك وفقا لبيانات ميكس. وقد بلغت حوافظها الائتمانية بحلول عام 2018 نحو 124 مليار دولار. وتشكل النساء 80% من عملائها، ويعيش 65% منهم في المناطق الريفية. وهؤلاء من بين أشد الشرائح فقرا وضعفا في العديد من المجتمعات. في الوقت الذي تلعب فيه مؤسسات التمويل الأصغر دورا مهما في دعم الأنشطة المدرة للدخل على الفقراء، فإن هذه الأرقام لاتتضمن مجموعة الخدمات الائتمانية التي يعول عليها الفقراء. فالتعاونيات، وشركات الخدمات المالية التكنولوجية، وشركات الدفع الإلكتروني الفوري تلعب أيضا أدوارا مهمة.
  4. اقتصاديات التمويل الأصغر تتطلب معدلات عالية في السداد. فتراجع معدلات السداد من 95% إلى 85% سيتسبب خلال أقل من عام في تعثر العديد من مؤسسات التمويل الأصغر، ونحن نلحظ وجود مخاطر كبيرة ناجمة عن انخفاض معدلات السداد بأكثر من ذلك، بينما يصارع المقترضون لتدبير احتياجاتهم في مواجهة صدمة انخفاض الدخل. هناك درس مستفاد من أزمات التمويل الأصغر الماضية ألا وهو: عندما تنخفض معدلات السداد، فإنها تنتشر سريعا. وفيما عدا ذلك، فإن نماذج الأعمال المعتمدة بصورة عالية على الموارد البشرية قد تواجه تحديات إضافية مع المضي قدما في تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي.

إذا كان لقطاع التمويل الأصغر أن ينجو من هذا الوباء، فنحن بحاجة إلى معاملة فيروس كورونا كتهديد جوهري ومحدق لهذه الصناعة. نريد أن يبدأ كل أطراف هذه الصناعة في حشد جهودهم خلف تيسير شروط القروض التي لايستطيع المقترضون الوفاء بها عندما تتوقف الأنشطة الاقتصادية، والتعامل مع عجز السيولة في مؤسسات التمويل الأصغر، والاستعداد لإعادة رسملتها حتى تتمكن من استئناف الإقراض والقيام بدورها الحيوي في التعافي بمجرد انحسار الأزمة.

مؤسسات التمويل الأصغر تحملت أزمات سابقة، وبالتأكيد ثمة دروس يمكن الاستفادة بها من هذا السجل. ونستطيع أن نتوقع تأثير هذه الأزمة على شتى الأسر والمؤسسات والبلدان بدرجات متفاوتة. لكننا لم نشهد على مدى تاريخ التمويل الأصغر مثل هذا الاختلال في الأسواق على هذا النطاق. ونتمنى بالتأكيد أن نكون مخطئين بشأن الآثار المدمرة لكورونا على البلدان النامية واقتصاداتها وفقرائها- وهم الذين وجد التمويل الأصغر لخدمتهم. لكننا لا نعتقد أننا مخطئون.

كيف سيكون ذلك؟

  1. ينبغي أن ينظر المستثمرون الاجتماعيون في تعليق وتأجيل فوائد قروضهم المستحقة على مؤسسات التمويل الأصغر، وتجميد شروط السداد، وتيسير بنود التعاقد بشأن مسائل مثل معدلات السداد، والقيمة الصافية للأصول، ونسب كفاية رأس المال.
  2. تعكف العديد من البنوك المركزية بالفعل على وضع خطط لتوفير السيولة الضرورية لدعم قطاعاتها المالية بتيسير شروط نسب الاحتياطي المطلوبة في البلدان التي ينطبق عليها ذلك. ونشعر بالقلق إزاء عدم قدرة مؤسسات التمويل الأصغر الذين يعملون كمؤسسات مالية غير بنكية على الحصول على المساعدات التي يحتاجون إليها ضمن الجهود الأوسع لدعم القطاع المالي. في الوقت الذي لا تشكل هذه المؤسسات خطرا منتظما في أي سوق، فإن الفشل في دمجها في الإجراءات المدعومة حكوميا لتخفيف الأثر قد يحرمها من المساعدات التي هي في أمس الحاجة إليها لكي تواصل العمل.
  3.  كما يتعين على الحكومات دعم وسائل الحد من السفر والتعامل وجها لوجه في التمويل الأصغر لزيادة الإقبال على الوسائط الرقمية. وهذا يشمل السماح باستخدام التوقيع الرقمي وصرف القروض بناء على البصمات والموافقة على التحويلات الائتمانية من على بعد. يمكن زيادة حدود المعاملات الرقمية وإلغاء الرسوم أو تقليصها، مثلما أعلنت مؤخرا شركة إم-بيسا أنها ستفعل في كينيا. في الوقت الذي تدرس الحكومات تقديم الدعم المباشر لتخفيف الآثار على المواطنين منخفضي الدخل، فإن القيود التنظيمية على المعاملات المتنقلة وما يتصل بها من متطلبات التعرف على العميل قد تكون في حاجة إلى التيسير المؤقت حتى يتحول الناس سريعا إلى المنصات الرقمية وتبدأ الموارد في التدفق عليهم.
  4.  وعلى مؤسسات التمويل الإنمائي المتعددة والثنائية الأطراف أن تدرس الأزمات المالية السابقة كي تنظر في كيفية هيكلة حزم الإنقاذ لمؤسسات التمويل الأصغر، بما في ذلك الدروس المستفادة من شراء حوافظ القروض، ووضع برامج الدعم المالي الإقليمي وتيسير عمليات الدمج. هذا هو الوقت المناسب لكي يهب مقدمو التمويل المختلط، لاسيما رأس مال المانحين.
  5.  قد تضطر مؤسسات التمويل الأصغر إلى اتخاذ قرارات صعبة إزاء سبل دعم عملائها بتعليق السداد، وإعادة هيكلة الديون الموجودة وتوفير السيولة كي يتمكن عملاؤها من إدارة الأزمة. وهناك مخاطر من اتخاذ الحكومات هذه القرارات نيابة عن المؤسسات المقرضة عندما يتعلق الأمر بفترات الإعفاء من السداد دون الدراسة الدقيقة لآثارها على هذه المؤسسات، فيما يحتاج القطاع إلى الاستعداد لمواجهة هذا التحدي إذا ظهر.

لو كانت الحلول سهلة، لما كان هناك أزمة. ويبدو على الأرجح أنه بدون دعم كبير وتضافر الجهود، فإن العديد من مؤسسات التمويل الأصغر ستتعرض للخطر في العاصفة القادمة. والسؤال هو: ما الخطوات التي يمكن أن نتخذها الآن لضمان نجاة هذه الصناعة والمساهمة في النهاية في التعافي الاقتصادي؟ بدون مواجهة الأسئلة الصعبة والشروع في وضع الخطط للتعامل مع كورونا المستجد، فلن يكون الفقر هو الذي يختفي بل ربما تكون حركة التمويل الأصغر الحديثة.

ولذا نجمع الشركاء من جميع أنحاء العالم للتصدي للمشكلة بالسرعة المطلوبة. ستتولى المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب)، بمساعدة مبادرة الشمول المالي، تنظيم المناقشات مع مختلف جوانب صناعة الشمول المالي خلال الأيام القادمة للاستماع إلى أوجه تأثرهم بالأزمة وما الذي تفعله للمساعدة في التنبؤ بالهبوط الاقتصادي الضروري للحد من انتشار الفيروس والتخفيف من آثاره. ونقوم بجمع المعلومات عن القرارت التي يتخذها واضعو السياسات في شتى بلدان العالم لفهم الآثار التي قد تجلبها سياساتهم على مؤسسات التمويل الأصغر وتكنولوجيا الشمول المالي. ونتواصل مع المستثمرين والممولين لفهم كيف يخططون لدعم صناعة التمويل الأصغر لترويض هذه الأزمة التي لاذنب لهم فيها. أنشأنا قسما للموارد على البوابة  لكي نسمع من أرباب صناعة الشمول المالي ونشجعهم على تبادل المعلومات ونجعل صوتك مسموعا.

صناعة التمويل الأصغر العالمية بنيت من خلال العمل الجماعي، وجمعت مقدمي التمويل والمانحين والمستثمرين وصناع السياسات والأكاديميين وممارسين آخرين لإتاحة الخدمات المالية لفقراء العالم. وقد أنجزنا الكثير معا. والآن نحن بحاجة إلى التكاتف معا كصناعة لكبح جماح هذه الأزمة والحفاظ على المكاسب التي حققناها بشق الأنفس خلال العقود الأربعة الماضية. فمئات الملايين من فقراء العالم ممن يعولون على الشمول المالي للاقتراض والادخار وتحويل الأموال يعتمدون علينا.

 

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.