تعميم الخدمات المالية يلعب دورا كبيرا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة
بمراجعة أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر التي وضعتها الأمم المتحدة، سترى أن من بين هذه الأهداف النمو الشامل، والمياه النظيفة، وزيادة المساواة. لكنك لن ترى ما يلي: إتاحة حصول المواطنين على حسابات توفير وقروض وتأمين وخدمات مالية أخرى.
ويبدو أن تحقيق أهداف التنمية المستدامة سيكون أكثر صعوبة بدون دمج جميع المواطنين في النظام المصرفي! هذا ما تبرزه سلسلة من المقالات (بالإنجليزية) على مدونة المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء (سيجاب)، ومعها بحث صدر مؤخرا بعنوان "تحقيق أهداف التنمية المستدامة: دور تعميم الخدمات المالية"، حول العلاقة بين تعميم الخدمات المالية والتنمية. ويقوم عدد من الخبراء على مدونة سيجاب بتسليط الضوء على الدور الذي يمكن أن يلعبه تعميم الخدمات المالية من أجل تحقيق هذه الأهداف؛ ويتضمن ذلك القضاء على الفقر، وخلق الوظائف، وزيادة المساواة بين الجنسين، أو الصحة الجيدة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. كما يمكن لتعميم الخدمات المالية أن يساعد في تخفيف أزمة اللاجئين. فعشرات الآلاف من اللاجئين السوريين وغيرهم يهبطون على السواحل الأوروبية وليس لديهم حساب بنكي أو سبيل إلى الحصول على الخدمات المالية.
وقد صرح أنس الباشا، الذي وصل ألمانيا بعد أن فر من سوريا في أواخر عام 2014، لصحيفة فاينانشال تايمز "إذا لم يكن لديك حساب بنكي سيكون من الأصعب الحصول على أجر من العمل أو تحويل أموال أو دفع أجر الطبيب أو الاشتراك في صالة ألعاب رياضية. وإذا كنت نائما في قاعة رياضية مكدسة بالآخرين، أو في مركز لللاجئين مع مجموعة من الأغراب، فإنك ببساطة لا تستطيع أن تترك كل الأموال في جيبك-وإلا فإنك ستستيقظ لتجد أنها قد اختفت."
إن من يستطيعون الحصول على الخدمات المالية يشعرون بأمان أكبر وبالخصوصية بشأن أموالهم. حسابات التوفير تجعل الادخار أيسر، ومن ثم فإن الناس يدخرون أكثر ويكسبون أكثر. فالنساء في نيبال تمكنّ بعد أن أتيح لهن فتح حسابات بنكية بسيطة من زيادة إجمالي أصولهن بنسبة 16 في المائة. وفي الهند ساعدت الجهود الحكومية لفتح حسابات بنكية في المناطق الريفية على تقليص معدلات الفقر هناك بنحو 17 نقطة مئوية.
كما أن زيادة امتلاك الحسابات البنكية يمكن أن يشجع على المساواة بين الجنسين (الهدف الإنمائي الخامس). لنأخذ في الحسبان أن النساء الفقيرات يشكلن 1.1 مليار من إجمالي أعداد البالغين الذين لا يمتلكون حسابات بنكية، أي أغلب من يتعرضون للإقصاء المالي. حينما عرض على البائعات المتجولات في شوارع كينيا فتح حسابات توفير بنكية، زادت نفقاتهن اليومية بنسبة 37 في المائة مقارنة بمجموعة من النساء اللائي لم يحصلن على حساب بنكي.
كما أن من شأن تعميم الخدمات المالية للمزارعين أن يفتح الأبواب لاستثمارات أكبر خلال موسم الزراعة. والنتيجة: محاصيل أكبر وتقدم نحو المزيد من الأمن الغذائي (الهدف الإنمائي الثاني). عندما أودع مزارعو مالاوي إيراداتهم في حساب بنكي جديد، أنفقوا مبالغ تزيد 13 في المائة على المعدات وزادوا قيمة محاصيلهم بنسبة 21 في المائة.
كما أن تعميم الخدمات المالية يمكن أن يشجع على تحسين الصحة (الهدف الإنمائي الثالث). فحساب التوفير يساعد الآباء على دفع رسوم العيادات الطبية لأطفالهم. فرسوم الرعاية الصحية التي يتحملونها هي أحد الأسباب الرئيسية للبقاء في دائرة الفقر. لكن اعطهم حسابا بنكيا وسترى:
- وجدت دراسة أجريت في كينيا أن إتاحة مكان آمن يودع فيه الناس أموالهم قد زاد من الإنفاق على الصحة بنسبة 66 في المائة.
- ويشير بحث في الأردن إلى أن التأمين يمكن أن يساعد النساء على تغطية تكاليف العلاج وإدارة الصدمات الصحية التي يمكن أن تعطل أنشطتهن الاقتصادية ومن ثم تكبدهن خسائر في الدخل.
كما تساعد التكنولوجيا الرقمية أيضا على زيادة تعميم الخدمات المالية...وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتتيح أدوات الدفع الرقمية- كالهواتف المحمولة المتصلة بحساب بنكي حصول الأفراد على الأموال خلال الأزمات من الأقارب والأصدقاء الذين يعيشون في مناطق نائية، مما يقلل من احتمالات سقوطهم في براثن الفقر. وتظهر دراسة أجريت لبرنامج التحويلات المالية عبر الهاتف المحمول في كينيا، المعروف باسم إم-بيسا (M-Pesa)، أن مستخدميه يتلقون على الأرجح تحويلات مالية عندما يتعرضون لصدمة مالية، كفقدان الوظيفة.
وثمة شواهد متزايدة على أن الدفع بالوسائل الرقمية- سواء للصحة أو التعليم أو شبكات الحماية الاجتماعية الأخرى- يدر منافع كبيرة على الأفراد، فضلا عن تحسين كفاءة الحكومات ووكالات المعونة من خلال تقليص رسوم المعاملات ونزيف المال. ففي الهند، قامت التحويلات الحكومية الرقمية بالتقليل بنسبة 47 في المائة من الرشاوى التي تُطلب مقابل تلقي التحويلات، وزادت من الأموال التي يتلقاها المستفيدون بعد أن استبعدت الوسطاء الذين ينهبون الأموال.
ورغم زيادة إمكانية الحصول على الخدمات المالية الرقمية، تظل الفجوات بين المناطق قائمة في كيفية استخدامها. ففي أوروبا وآسيا الوسطى، يمارس 46 في المائة من البالغين على الأقل واحدا من أنواع الدفع الرقمي، بالمقارنة بتسعة في المائة فقط من البالغين في الشرق الأوسط. وتساعد الهواتف المحمولة على توسيع نطاق الخدمات المالية، لاسيما بين من يعيشون في المناطق الريفية التي تفتقر إلى الخدمات البنكية التقليدية. ففي أفريقيا جنوب الصحراء، يمارس 12 في المائة من البالغين عمليات الدفع عن طريق الهاتف ويجري ذلك في أغلب الأحيان من خلال حسابات نقدية متنقلة، وهي نسبة ترتفع في كينيا إلى 55 في المائة.
ونظرا للصلة بين تعميم الخدمات المالية والتنمية، يتعين على الحكومات أن تواصل الدفع نحو زيادة استخدام الخدمات المالية وإتاحتها للجميع. ولا ينتقص منح الأولوية للخدمات المالية أي موارد مالية من البنود الأخرى ذات الأولوية والواردة ضمن أهداف التنمية المستدامة. في الحقيقة، فإن الأدلة التي جُمعت حتى الآن تؤكد بقوة أن تعميم الخدمات المالية يساعد على خلق الظروف اللازمة لتسهيل بلوغ العديد من أهداف التنمية المستدامة.
فقط اسأل اللاجيء السوري أنس الباشا، الذي قال لصحيفة فاينانشال تايمز"في ألمانيا، تحتاج إلى حساب بنكي لكل شيء."