مدونة البوابة

حان وقت تغيير معادلة حماية المستهلك

من عدم إلحاق الضرر إلى تحقيق نتائج إيجابية للعملاء

عندما نشترك في الخدمات المالية عبر الإنترنت، يُطلب منا التوقيع "بالموافقة" على البنود والشروط التي نادراً ما يفهمها معظمنا. وجرت العادة أن تكون هذه البنود والشروط والأحكام مكتوبة بلغة قانونية معقدة ويتم تقديمها في صورة حروف صغيرة أو غير مرئية ويلزم الضغط على رابط للإطلاع عليها، مما يجعل من الصعوبة قراءتها على الأجهزة المحمولة الصغيرة. ولك أن تتخيل التحدي الكبير إذا كنت لا تجيد القراء والكتابة أو غير معتاد على المصطلحات المالية، كما هو الحال بالنسبة للعديد من الفقراء في الأسواق النامية الذين يستخدمون الأجهزة المحمولة لإدارة شؤونهم المالية. وربما لا يأتي في بالك القواعد والتحذيرات والمعلومات الأساسية حول المنتج أو الخدمة التي تصل إليها. ولماذا يتم عرض المعلومات على هذا النحو؟ أود القول إن المقصود ليس العميل، لكن شركة تقديم الخدمات المالية هي الوحيدة المعنية بالإلتزام بالجوانب القانونية.

ولك أن تتخيل أيضًا كيف ستكون التجربة مختلفة لو كان القصد هو إحاطة العميل بالمعلومات وتمكينه. ولم أر سوى مرة واحدة المعلومات المالية مقدمة في صورة رسوم هزلية. وقد أظهرت الحروف التي كُتبت بطريقة مغايرة وظائف المنتج وشروط الاستخدام وشرطين أو ثلاثة شروط أساسية. وكان من السهل فهم ما كُتب. ولقد تولد عندي انطباع أن شركة تقديم الخدمات المالية معنية بقراءتي وفهمي للجوانب الأساسية من الخدمة، مما سمح لي بتحديد ما إذا كان المنتج سيكون ذا قيمة بالنسبة لي. وبذلت شركة تقديم الخدمات المالية جهدًا لإحاطتي علمًا بالجوانب المعنية وتمكيني من اتخاذ قرار، مما أدى إلى نتائج جيدة للعملاء.

بالنسبة لي فإن النتائج التي يحصل عليها العملاء هي ما يستفيدون منه من خلال تفاعلاتهم مع المنتجات والخدمات المالية واستخدامها والمشاركة مع شركات تقديم الخدمات المالية. إنه نهج يتجاوز مجرد "عدم إلحاق الضرر بالعملاء"​...

وبالإمكان نشر مثل هذه التجربة الإيجابية إذا قمنا بتغيير المعادلة واتخذنا نهجًا بديلًا لحماية المستهلك، على أن يركز هذا النهج على النتائج التي يحصل عليها العملاء بدلاً من الوفاء بالإلتزامات القانونية. وبالنسبة لي فإن النتائج التي يحصل عليها العملاء هي ما يستفيدون منه من خلال تفاعلاتهم مع المنتجات والخدمات المالية واستخدامها والمشاركة مع شركات تقديم الخدمات المالية. إنه نهج يتجاوز مجرد "عدم إلحاق الضرر بالعملاء"، ويتناول بدلاً من ذلك كيف يمكن أن يؤدي توفير واستخدام المنتجات والخدمات المالية عالية الجودة التي تُقدم على نحو مسؤول إلى خلق قيمة للعملاء، ومن ثم تحقيق نتائج إيجابية للمستهلك.

 

 وأود القول إن هذا الهدف يستحق تضافر جهود واضعي السياسات وشركات تقديم الخدمات المالية لتحقيقه بغية تعزيز القطاع المالي والنهوض بالشمول المالي. لذلك اسمحوا لي أن أتعمق أكثر في العلاقة بين القيمة والنتائج التي يحصل عليها العملاء ودور مقدمي الخدمات المالية.

يسعى العملاء إلى الحصول على نوعين من القيمة عندما يصلون إلى الخدمة وتتاح لهم الخيارات ــ وهما القيمة الوظيفية والقيمة التجريبية. وتركز القيمة الوظيفية على هذا السؤال: "هل يمكن للمنتج أو الخدمة المقدمة القيام بالمهمة المطلوبة؟" على سبيل المثال، أرغب في إرسال أموال إليك: هل من السهل فهم هذه الخدمة؟ هل من السهل الاشتراك في الخدمة من أجل إرسال الأموال؟ هل هذه الخدمة معقولة التكلفة؟ هل يتمتع كلا الطرفين بالحماية من الاحتيال والممارسات الجائرة خلال هذه المعاملة؟ إذا كانت الإجابة "نعم" على كل هذه الأسئلة، فإن الخدمة لها قيمة وظيفية جيدة للعميل، وبالتالي تحقق نتائج إيجابية للعملاء. أما محور تركيز القيمة التجريبية فيدور حول على ما شعرنا به أثناء المعاملة. ما رأينا؟ هل كان ذلك مرهقًا؟ هل عمل ذلك على تمكيننا ؟ هل أدى ذلك إلى تحسين ثقتنا في التعامل مع شركات تقديم الخدمات المالية ؟ وإذا أدى ذلك إلى زيادة ثقتنا في النظام المالي ومنحنا المزيد من القوة، عندئذٍ تكون القيمة التجريبية إيجابية، وتساهم في تحقيق نتائج إيجابية للعملاء.

 وفي كلتا الحالتين، يكون لشركة تقديم الخدمة تأثير مباشر على خلق قيمة للعميل، والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية للعملاء. وهناك مجموعة من العوامل المختلفة التي يأخذها العملاء في الاعتبار عند التفاعل مع المنتجات والخدمات المالية، وعدد من الطرق المختلفة التي يمكن لمقدمي الخدمات من خلالها ضمان تحقيق تجارب إيجابية. هيا بنا نستكشف بعض الجوانب:

  • إمكانية الإختيار - يمكنني اتخاذ قرار مستنير بين مجموعة من المنتجات والخدمات ومقدمي الخدمات بناءً على المعلومات الكافية والمشورة المناسبة المتاحة بطريقة شفافة وسهلة الفهم. وهذا يمكنني من اختيار أفضل منتج أو خدمة تناسب ظروفي. فعلى سبيل المثال، قامت الحكومة في الفلبين بإجراء أبحاث سلوكية، وقامت بتصميم نماذج توضح تكاليف القروض وشروطها وأحكامها وسبل الإفصاح عنها وكانت هذه النماذج سهلة الفهم بالنسبة للعملاء. واستطاع العملاء اتخاذ قرارات مستنيرة على نحو أفضل بشأن المنتجات المعنية. وفي تنزانيا لجأت إحدى شركات تقديم الخدمات إلى استخدام الرسائل النصية القصيرة لتثقيف العملاء بشأن كيفية مراجعة حدود القروض الرقمية أو استخدام أداة حساب التكاليف. وأدى هذا النهج إلى تحسين مشاركة العملاء، ومع تزويدهم بمزيد من المعارف، اختار العملاء زيادة إجمالي متوسط مدخراتهم الرقمية. وفي كل حالة من هذه الحالات، أدت المساعدة في تحفيز وتعزيز الاختيار إلى تحقيق نتائج جيدة للعملاء.
  • السلامة والأمان - يتم حفظ المال والمعلومات على نحو آمن، وتحترم شركة تقديم الخدمات خصوصيتي وتتيح لي التحكم في بياناتي. ويمكنني الاطمئنان أن أموالي وبياناتي في مأمن من السرقة أو الخروقات الأمنية. ويمكنني دائمًا التحكم في بياناتي، كما أنني على علم تمامًا بالتداعيات المرتبطة بالكشف عنها. على سبيل المثال، قامت شركة إم ــ كوبا المعنية بتقديم خدمات الطاقة الشمسية في كينيا بنظام الخصم من المنبع بمنح عملائها خاصية الوصول إلى تاريخهم الائتماني وإمكانية تصحيحه، وقد استطاعت الشركة الوصول إلى ذلك من خلال قيام العملاء باستخدام نظام القروض الرقمية. وتستخدم شركة فيرست أكسيس، وهي شركة تحليل بيانات وتصنيف ائتماني بديلة لشركات تقديم الخدمات المالية في الأسواق الناشئة خدمة الرسائل النصية القصيرة لشرح خدماتها للعملاء والعمل على الحصول على موافقة العميل بشأن الكشف عن بياناته، ومساعدته في تحديد ما سيتم الكشف عنه لشركات تقديم الخدمات. ومن خلال توخي الحذر في حماية عملائها وإحاطتهم بالمعلومات، تقدم شركات تقديم الخدمات خدمة تؤدي إلى نتائج جيدة للعملاء.
  • التعبير عن الرأي - يمكنني التواصل مع شركة تقديم الخدمة من خلال قناة من اختياري وحل مشكلاتي بسرعة وبتكلفة بسيطة. أعرف إلى أين أذهب عندما يكون لدي أسئلة أو مخاوف أو عندما يحدث خطأ ما، وأعرف أن صوتي سيكون مسموعًا. ويتم حل مشكلاتي بسرعة. وتطلب شركات تقديم الخدمة أيضًا آرائي التقييمية وتخبرني بكيفية استخدام تعليقاتي لتحسين المنتجات أو الممارسات. وثمة مثال على ذلك يتمثل في شركة تيغو غانا التي تستخدم تطبيقات واتس آب، والبريد الإلكتروني، وفيسبوك، وانستغرام، ويوتيوب، ولينكد إن، وكذلك مركز الاتصالات لضمان قيام العملاء بالتعبير عن آرائهم وسماع أصواتهم، أو طرح تساؤلاتهم أو شكاواهم. كما تغرس الشركة القيم في وكلائها وموظفي مركز الاتصال للاستماع إلى العملاء ومعاملتهم بكرامة واحترام. والنتائج هي سماع صوت العملاء، وقيام شركة تقديم الخدمات بالرد عليهم.
  •  تلبية الاحتياج - من خلال الوصول إلى المنتجات المصممة والمقدمة بهذه الطريقة واستخدام هذه المنتجات، ومن خلال الحصول على الخدمات التي أحتاجها، فإنني في وضع أفضل للتحكم في أموري المالية، والتعامل مع أي صدمة أو تحقيق أهداف أخرى. وثمة مثال على ذلك يتمثل في تقديم خدمات التسهيلات الائتمانية والقروض والقروض متناهية الصغر بصورة رقمية وعلى نحو مسؤول على الفور من خلال الهواتف المحمولة. وتبين الأبحاث في كينيا أن العديد من العملاء يقترضون في الصباح الباكر لشراء مستلزمات لأنشطة أعمالهم الصغيرة أو الوقود لسيارات الأجرة الخاصة بهم. وغالبا ما يسددون القروض الرقمية في نفس اليوم أو خلال أسبوع. ومن شأن السهولة والراحة في الحصول على الأموال عن بُعد في نفس اللحظة التي يحتاج فيه الشخص إلى المال إحداث فرق في إدارة وتنمية أنشطة الأعمال الصغيرة. كما يعمل ذلك على إضافة قيمة وخلق نتائج جيدة للعملاء.

 

 

نلاحظ أن شركة تقديم الخدمات المالية التي تقوم بتصميم المنتجات والخدمات من منظور تحقيق نتائج جيدة للعملاء تعمل في الوقت نفسه على ضمان حماية مصالح المستهلكين.

 

وفي جميع هذه الأمثلة، تعد جهود شركات تقديم الخدمات المالية لفهم العملاء واحتياجاتهم والتصرف بناءً على تلك الرؤى لتوفير منتجات وخدمات ذات قيمة في غاية الأهمية في تحقيق نتائج إيجابية للعملاء. وفي الوقت نفسه، يصبح جليًا أن حماية المستهلك جزء لا يتجزأ من العملية وتأتي في صلب النهج الذي يحقق نتائج جيدة للعملاء. بمعنى آخر، نلاحظ أن شركة تقديم الخدمات المالية التي تقوم بتصميم المنتجات والخدمات من منظور تحقيق نتائج جيدة للعملاء تعمل في الوقت نفسه على ضمان حماية مصالح المستهلكين.

لماذا هذه العناصر مرتبطة على نحو متكامل؟ لأن عند الإخفاق في حماية المستهلك، فإنها تدمر كل من القيمة الوظيفية والقيمة التجريبية مع إحداث نتائج سلبية للعملاء. وثمة مثال حي على ذلك يتمثل في حالة إخفاق خدمات التسهيلات الائتمانية والقروض الرقمية. ومن الممكن أن يكون الوصول إلى القروض الرقمية، كما رأينا، مفيدًا للغاية بالنسبة للعملاء الفقراء. لكن معظم ممارسات جهات الإقراض الرقمية تفتقر إلى الإفصاح الشفاف وفي الوقت المناسب وعلى نحو كاف ويتسم بالكفاءة، وهو قصور يؤدي في كثير من الأحيان إلى نتائج سلبية للعملاء. وتبين أبحاث سيجاب أن ما يقرب من نصف جميع عملاء الائتمان الرقمي في تنزانيا وكينيا يتخلفون عن سداد قروضهم، وما يبلغ 31% يتخلفون عن السداد الكامل. وتقوم مكاتب تقييم الجدارة الإئتمانية بحصر هؤلاء العملاء بوصفهم يمثلون مخاطر ائتمانية عالية، وأحيانًا يكون السبب عدم سداد مبالغ تصل إلى 0.20 دولار أمريكي (أو ما يعادله بالعملة المحلية) لأنهم لم يفهموا شروط وأحكام القرض. وغالبًا ما يكون لذلك تبعات مستمرة على المقترضين الذين قد يتم فرض أسعار فوائد أعلى عليهم أو استبعادهم من النظام المالي لسنوات قادمة، مما يمنعهم من استخدام الأدوات المالية لتكوين الأصول والمستلزمات، والاستثمار في التعليم، والمسكن، وتحسين سبل كسب عيشهم. كما أن الآثار قصيرة الأجل يمكن أن تكون خطيرة. وقد وجد الباحثون أن الناس يقللون من الوجبات اليومية ولا يدفعون مصروفات الرعاية الصحية من أجل سداد القروض. وبدون حماية المستهلك على نحو كاف في مجال الائتمان الرقمي، يمكن تدمير القيمة المستحقة للعميل، مما يؤدي إلى نتائج سلبية للعملاء.

كيف نمضي قدمًا نحو تحقيق نتائج للعميل مبنية على اعتبارات الشمول المالي؟

نظرًا للترابط والتداخل بين القيمة المحققة العميل والنتائج المحققة له وحماية المستهلك، تستكشف سيجاب إطارًا خاصًا بالنتائج المحققة للعميل مع إمكانية تطبيق هذا الإطار بصورة عملية على شركات تقديم الخدمات المالية والجهات التنظيمية كنظام بديل لحماية المستهلك. وسيتجاوز هذ الإطار النهج التقليدي المتمثل في "عدم الإضرار" بالعملاء، والنظر في كيفية الوصول إلى الخدمات المالية عالية الجودة وبأسعار معقولة واستخدامها، لا سيما عند تقديمها على نحو مسؤول، إذ من شأن ذلك تحقيق قيمة للعملاء وبالتالي المساهمة في تحقيق نتائج إيجابية. ومن خلال الأبحاث التي قمنا بها من قبل، من الواضح أن هذا سيتطلب تحولًا في التركيز من جانب جهات التنظيم وشركات تقديم الخدمات المالية، والرغبة في العمل الجماعي نحو إيجاد حلول جديدة.

بالنسبة لمقدمي الخدمات المالية

يعني النهج الذي يستهدف تحقيق نتائج إيجابية للعملاء طرح أسئلة مختلفة عند النظر في نماذج وممارسات أنشطة أعمال شركات تقديم الخدمات المالية. وعلى هذه الشركات أن تتفهم الروابط بين النتائج الإيجابية للعملاء المستندة إلى تحقيق قيمة للعميل، ونماذج أنشطة الأعمال المستندة إلى تحقيق إيرادات على نحو مستدام على المدى الطويل. وإذا كانت أنشطة الأعمال والشركات تسعى إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل واللجوء إلى ممارسات جائرة، فإنها بذلك تخاطر بتدمير القيمة المستحقة للعميل، وتخلق نتائج سلبية للعميل، كما إنها تدمر الإيرادات المستقبلية التي قد تتحقق لها. أما تحقيق نتائج جيدة للعملاء الفقراء ففي المقابل يحقق قيمة طويلة الأجل للفرد والشركة على حد سواء. وبمجرد فهم التصور الخاص بتحقيق نتائج إيجابية للعملاء، وإدراك الشركات أن هناك علاقة إيجابية طردية مع قيمة الشركة، سنلاحظ نتائج مهمة.

ففي هاييتي، زاد عدد عملاء شركة ديجيسيل من 40 ألف عميل نشط يستخدمون الخدمات المالية من خلال الهاتف المحمول إلى أكثر من 800 ألف في غضون عامين بعد أن أدركت الإدارة أن الشركة لا تقدم قيمة للعملاء. كانت الشركة تستعين بوكلاء لتدريب عملاء الإقراض الفردي على وظائف وخيارات قائمة الخدمات المالية باستخدام الهاتف المحمول. وأخفق هذا نظرًا لأن الوكلاء كانوا مقيدين بالوقت ولم يقوموا أبدًا بتعزيز وتفعيل التدريب الذي تلقاه العميل. وشعر العملاء بعدم التمكن والارتباك، وأقروا بأنهم لم يفهموا التعليمات. وبعد إجراء بحث ميداني مع العملاء، تحولت الشركة إلى تقديم الدورات التدريبية في صورة مجموعات في المجتمعات المحلية. وتتألف المجموعات من جميع أفراد المجتمع، بما في ذلك الأشخاص الأصغر سنًا الذين يتمتعون بالذكاء التكنولوجي ولهم دراية واسعة بهذا المجال وغيرهم من حديثي العهد بالتكنولوجيا. وهذا يعني إمكانية تعزيز التدريب لأولئك الذين لم يستوعبوه في المرة الأولى، حيث يمكنهم طلب المساعدة في إطار الدورات التدريبية داخل المجتمع المحلي حتى يتقنوا استخدام التكنولوجيا. وأدى ذلك إلى ارتفاع معدلات استخدام التكنولوجيا نظرًا لقيام الشركة بتمكين الناس من ذلك استنادًا إلى نتائج الاختيار والاستخدام. وفي الفلبين قامت شركة بايونير للتأمين بزيادة اشتراكات العملاء بمقدار 3 أمثال، كما ضاعفت إيراداتها على مدى 3 سنوات عندما استثمرت الشركة في تحسين فهم واستيعاب سبل تحقيق القيمة للعملاء، ما أدى إلى تحقيق نتائج جيدة لهم. وثمة مثال على ذلك هو خريطة مقارنة المنتجات الأساسية التي ساعدت العملاء على اختيار منتج التأمين المناسب لاحتياجاتهم الخاصة. وقد ساعد ذلك في تقليل حالات الارتباك بشأن المنتجات وتمكين العملاء من تحديد الخيارات المناسبة للمنتجات، وكان ذلك بمثابة نتائج رائعة بالنسبة للعملاء.

بالنسبة لواضعي السياسات 

يعني التغيير في النهج ربط النقاط بين النتائج المحققة للعملاء، وحماية المستهلك والاستقرار المالي، والنتائج الإنمائية الإيجابية. وقد تمثلت جهود حماية المستهلك حتى الآن في المجال التنظيمي في وجود قواعد منظمة، وقد دار محور تركيز هذه الجهود إلى حد كبير حول عدم الإضرار بالعميل مع عدم الاهتمام على نحو كاف بتحقيق نتائج. وعدم إلحاق ضرر أمر ضروري ولكنه ليس كافيًا. وحتى يتسنى تحقيق نتائج إيجابية للعملاء على نطاق واسع، يجب على واضعي السياسات تحفيز شركات تقديم الخدمات المالية لتقديم هذه النتائج. ويمكن أن يركز النهج التنظيمي الجديد على فعل ما هو في صالح العميل، مع العلم أن ذلك يحقق قيمة أيضًا للشركة، وللمجتمع بأسره في نهاية المطاف.

ويسير الابتكار في الخدمات المالية الرقمية بوتيرة سريعة بحيث يستحيل عملياً على جهات التنظيم مواكبة ذلك، كما أن تطبيق النهج المستند إلى القواعد الذي تم وضعها لحقبة زمنية مختلفة يمثل تحديًا. ويسمح النهج المستند إلى تحقيق نتائج للعميل لجهات التنظيم بالتكيف وتوفيق الأوضاع من خلال الموازنة بين مزيج من القواعد والضوابط التي تستند إلى قواعد (والتي أعني بها القواعد المحددة)، والقواعد والضوابط التي تستند إلى مبادئ (إرشادات واسعة النطاق مع وجود قواعد معينة محدودة أو غير موجودة على الإطلاق) والقواعد والضوابط التي تستند إلى تحقيق نتائج لإرساء ثقافة مؤسسية وتنظيمية تهدف إلى تحقيق نتائج أفضل للعملاء. ولا تزال القواعد مهمة لكنها ليست كل شيء وليست الغاية المبتغاة. ويجب النظر بعين الاعتبار بدلاً من ذلك في نهج يكون الهدف التنظيمي فيه ليس فقط التأكد من أن شركة تقديم الخدمات المالية تتيح معلومات عن المنتجات للعميل، ولكن أيضًا هذه المعلومات مفيدة وذات صلة ويتم تقديمها بطريقة يسهل فهمها. وسيركز النهج المستند إلى تحقيق نتائج على ما إذا كان العميل قد فهم ما تم تقديمه، وليس على ما إذا كانت المعلومات قد تم تقديمها، ويقوم واضعو السياسات بتحفيز شركات تقديم الخدمات لتقديم يد العون والمساعدة وتحقيق رحلة إيجابية للعميل.

وهناك بعض البلدان وجهات الاختصاص التي تعتمد هذا النهج. وثمة مثال على ذلك هو مشروع قانون سلوك المؤسسات المالية الذي نُشر مؤخرًا في جنوب أفريقيا. ويحدد هذا القانون نطاقًا من النتائج والمخرجات التي يمكن أن تسهم في تحقيق المرونة المالية لشعب جنوب أفريقيا. وسأعرض لكم أمثلة بسيطة من مشروع القانون المشار إليه.

يشترط هذا القانون "تزويد العملاء بمعلومات واضحة وإحاطتهم بالمعلومات الصحيحة قبل الوصول إلى نقاط البيع وأثناء تواجدهم فيها وبعد مغادرتها، وينبغي أن تكون المنتجات على النحو الذي يتوقعه العملاء بناء على ما أفادت به الشركة، ..." وعلى شركات تقديم الخدمات رفع تقارير إلى الجهة التنظيمية بشأن هذه النتائج المحققة للعميل. ويترتب على ذلك ضرورة قيام شركات تقديم الخدمات المالية والجهة التنظيمية بالاتفاق على المؤشرات التي ستكون جيدة وكيفية قياسها وإعداد التقارير بشأنها. وتركز الأمثلة التنظيمية التي نراها في بحثنا الذي قمنا به على المستوى الدولي على حوكمة السلوك والثقافة السائدة، وكذلك على فهم العملاء وتقييمهم ومشاركتهم باعتبار ذلك عنصر البناء الأساسي في النهج المستند إلى تحقيق نتائج للعملاء. ويعكس ذلك النتائج التي أشارنا إليها من قبل، مع فارق واحد، ألا وهو إضافة ناتج آخر يأتي في المستوى التالي وهو "تلبية احتياج العميل".

ولنعود إلى مفهوم الشراكات بين الجهات التنظيمية وشركات تقديم الخدمات المالية. ففي معظم البلدان وجهات الاختصاص، يكون مفهوم الشراكة غير بديهي إلى حد ما نظرًا لأن الجهة التنظيمية هي الأمين على القواعد، وتتم مراقبة شركات تقديم الخدمات المالية للتحقق من التزامها بالقواعد. ومؤخرًا أخبرني رئيس شركة تقديم خدمات مالية قائلًا إن "العلاقة مع الجهة التنظيمية سيئة للغاية، وأنا لا أخطاب الجهة التنظيمية أو أتحدث معها إلا في وجود محام". ومن الممكن أن تقوم الجهات التنظيمية بنشر القصص الحقيقية للممارسات الجائرة وإهمال العملاء بناء على ما تم كشفه في شركات تقديم الخدمات المالية. ولا تزال الأزمة المالية في 2007-2008 حية في ذاكرتنا حيث رأينا كيف يمكن أن تسير الأمور سلبًا عندما تركز شركات تقديم الخدمات المالية فقط على ما هو أفضل للمساهمين والإدارة على حساب العملاء.

وماذا لو تخيلنا عالمًا تركز فيه جهات التنظيم وشركات تقديم الخدمات المالية معًا على تحقيق نتائج جيدة للعملاء. وقبل بضع سنوات، قامت سيجاب بذلك على وجه الدقة، حيث عقدت اجتماعات مع الجهات التنظيمية وقادة شركات تقديم الخدمات المالية من جميع بلدان الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في إطار جهود مشتركة مع شركة فينمارك تراست FinMark Trust في جنوب أفريقيا لحضور ورشة عمل. وكان اليوم الأول عبارة عن تمرين عملي ميداني، وتم فيه تشكيل مجموعات، كل مجموعة تتكون من قائدين من قيادات شركات تقديم الخدمات المالية وجهة تنظيمية واحدة، وتم عمل زيارات للعملاء. وزارت بعض المجموعات منازل أصحاب المشروعات متناهية الصغر. وأجرت مجموعات أخرى مقابلات مع المقرضين غير الرسميين المحليين. وتم إجراء مقابلات مع بعض عملاء مقرضي الأموال، وتم إجراء مقابلات مع من ينتظرون في طابور للحصول على المنح الاجتماعية.

وعادت المجموعات ليلًا لإعداد تقرير مشترك بما حدث. وكان لدينا طلب واحد فقط - تحديد التحدي الرئيسي الذي يواجه العملاء في الوصول إلى الخدمات والمنتجات المالية واستخدامها، وتوصيف هذا التحدي من منظور العميل. ولقد سمعنا العديد من المشكلات، منها نقص المعلومات وعدم فهم المنتجات والصعوبة في الوصول إلى الخدمات، ونقص المستندات، وعدم الاحترام، وأكثر من ذلك. وفي صباح اليوم التالي، تحدينا شركات تقديم الخدمات المالية والجهات التنظيمية لتصميم حلول تعالج مشكلات العملاء التي تم الكشف عنها. وساهمت الجهات التنظيمية بالأفكار والمعلومات حول تصميم المنتجات، وحذر قادة شركات تقديم الخدمات المالية من المجالات التي قد يكون يتعارض فيها هذا المفهوم مع حقوق العميل أو قد يكون غير آمن. وناقشوا كيف يمكن تحسين الممارسات وكيف يمكن تعديل القواعد، في ضوء التحديات المحددة التي تواجهها فئات العملاء التي خضعت للملاحظة.

وأود القول إن هذه التجربة والقصص التي استمعنا إليها قد انصهرت في بوتقة تمثل نهجًا يستند إلى تحقيق نتائج إيجابية للعملاء، ولم يقم قادة شركات تقديم الخدمات المالية والجهات التنظيمية بالعودة إلى النظر في العقبات والمعوقات من المنظور الضيق الخاص بهم.

كما يمكن أن يكون التركيز على تحقيق نتائج للعملاء عنصر بناء للمحادثات المختلفة بين الجهات التنظيمية وشركات تقديم الخدمات المالية. وعلى مستوى أعلى، يجب أن تقوم شركات تقديم الخدمات المالية بربط النقاط بين النتائج الإيجابية للعملاء ونماذج الأعمال المستدامة، وينبغي أن تعمل الجهات التنظيمية على الإسهام في ثقافة مختلفة من التعاون نحو تحقيق نتائج للعملاء. ولا يمكن أن تكون هذه الثقافة إلا نتيجة لإدارة التغيير وهي بالفعل واحدة من التحديات الرئيسية التي تواجه النهج المستند إلى تحقيق نتائج للعملاء.

ولا يزال هناك العديد من التحديات، لا سيما بشأن ما يمكن قياسه كي يكون بديلًا للنتائج التي يتم تحقيقها للعملاء، وكيفية قياس ذلك. وهناك حاجة إلى العديد من الأفكار والرؤى الثاقبة بشأن ما يمكن أن تكون مؤشرات معقولة وقابلة للقياس ويمكن تطبيقها من جانب شركات تقديم الخدمات المالية، وكيف يتعين على الجهات التنظيمية مساندة هذه العملية والخطوات. وأيًا ما كان الأمر، فالأمر الجيد هو أن أصحاب المصلحة المعنيين بهذه الصناعة لا يبدؤون من الصفر. وهناك بعض العاملين في مجال التمويل الأصغر يستخدمون النُهج المستندة إلى تحقيق نتائج للعميل (ويفكرون في إحراز تقدم على مؤشر الهروب من براثن الفقر، وهو عبارة عن أداة بسيطة لقياس معدلات الفقر)، وذلك على الرغم أن هذا المفهوم أكثر حداثة بالنسبة لمجتمع الشمول المالي الأوسع نطاقًا والقطاعات المالية على مستوى العالم. وعلاوة على ذلك، يقوم فريق العمل المعني بالأداء الاجتماعي والحملة الذكية حاليًا ببحث النُهج المعنية بتحقيق نتائج للعملاء وأدوات القياس ذات الصلة. وفي عدد قليل من البلدان، نجد جهات تنظيمية وشركات تقديم خدمات مالية قد حازت بالفعل قصب السبق في النُهج التنظيمية المستندة إلى تحقيق نتائج إيجابية للعملاء. وقد نفذت المملكة المتحدة مبادرة معاملة العملاء على نحو عادل في عام 2003، بينما قامت جنوب إفريقيا بتجربة هذا النهج منذ عام 2008 ونشرت مؤخرًا مشروع قانون سلوك المؤسسات المالية للاطلاع عليه وإبداء الرأي فيه. وفي الهند، صاغ واضعو السياسات قواعد لأغراض الملاءمة، بينما وضعت أستراليا قواعد بشأن سلوك شركات تقديم التسهيلات الائتمانية والقروض الاستهلاكية.

وتظهر الأبحاث الأولية لسيجاب أن هذا النهج وجد صدى على مستوى هيئات وضع المعايير الدولية. وفي مبادئه الأساسية بشأن القيام بأنشطة الأعمال، يشير الاتحاد الدولي للمشرفين على شركات التأمين إلى معاملة العملاء على نحو عادل في الأساس، وتتضمن هذه المبادئ تحقيق نتائج تتوافق مع اختيار العملاء وحمايتهم وما يقومون به من استخدامات وسماع أصواتهم وإتاحة المجال كي يعبرون عن آرائهم - وتتماثل هذه المبادئ مع ما ناقشناه آنفًا. وستتناول أبحاثنا القائمة بالفحص ماهية المؤشرات البديلة لقياس النتائج للعملاء، وكيف يمكن قياسها على مستوى الشركة. وثمة إطار جديد أخذ في الظهور والتطور من شأنه العمل على المضي قدمًا نحو تحقيق الشمول المالي. وفي اعتقادي أن النهج الذي يركز على تحقيق نتائج للعملاء في غاية الأهمية لتحقيق هدفنا الشامل المتمثل في أن تكون الخدمات جسرًا لتحقيق الرفاهية المالية والنمو الاقتصادي وتخفيف وطأة الفقر. وتعتبر النتائج المحققة للعملاء خطوة وسيطة في ذلك المسار نحو هذا الجسر، وهذه الخطوة مهمة للغاية لتحقيق النتائج على المستوى الأعلى. ولا تسير هذه العملية بصورة خطية، لأن الحياة نفسها لا تسير على هذا النحو. بل إنها نتاج عمليات متكررة ومتشابكة تحققت من خلال تضافر الجهود والتعاون بين شركات تقديم الخدمات وواضعي السياسات، وكان العملاء جزءً منها، وليس من السهل تحديدها أو وضعها في إطار شامل يعمل بمرور الوقت نحو تحقيق الشمول المالي. وأيًا ما كان الأمر، ما لم ننتبه إلى تحقيق هذه النتائج الأساسية للعميل، فأنا أشك في إمكانية نجاحنا في تحقيق الأهداف الأعلى مستوى التي نطمح إليها في تمكين الفقراء من خلال الخدمات المالية.

غيرهارد كوتزي يقود فريق سيجاب الذي يعمل على قضايا تعظيم الأثر والقيمة لعملاء الخدمات المالية من الفقراء.

It’s Time to Change the Equation on Consumer Protection

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.