مدونة البوابة

آمال عظيمة: التكنولوجيا المالية والفقراء

نظرة تحليلية من غريتا بول، المديرة التنفيذية لسيجاب حول الضجة المثارة عن دور التكنولوجيا المالية في تحقيق الشمول المالي ومدى تأثيرها الفعلي على مساعدة الفقراء
بائعة سمك في الفلبين، جايمي سينجلادور. مسابقة سيجاب للتصوير 2014.

في كل عام، أجد نفسي أفكر في التقدم الذي أحرزناه بشأن الشمول المالي، كما أفكر في التحديات المقبلة وكيف يمكن أن تساهم سيجاب في التصدي لها. وتبادر هذا السؤال إلى ذهني في الأشهر الأخيرة من عام 2018، عندما حضرت حدثين يركزان على الابتكارات المالية التكنولوجية - مهرجان سنغافورة للابتكارات المالية التكنولوجية والاجتماع السنوي للشركات التي تستثمر فيها مؤسسة التمويل الدولية في مجال الابتكارات المالية التكنولوجية.

وقد كان هناك قدر غير معقول من الإثارة حول الابتكارات المالية التكنولوجية. وتقابلت مع أشخاص يعملون في مجالات تكنولوجيا التأمين، والمدفوعات، ومنصات التخصيم العكسي، وحلول الهوية المستندة إلى تقنية البلوك تشين، والمعاشات متناهية الصغر الرقمية، ومنصات الإقراض السوقية، والائتمان الرقمي، والتجارة الإلكترونية، وخدمات التكنولوجيا التنظيمية، والتكنولوجيا الإشرافية، والذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي ... أي كل ما هو تحت الشمس بمعنى الكلمة. وهناك الكثير من الطاقة، والتفكير الإبداعي، والمال في هذا الحيز، إنه أمر مدهش حقًا. على الجانب الآخر والحق يقال، ان مواكبة كل هذه التطورات السريعة جعل الموضوع مرهقا أيضا!  وفيما بين الفرصة السانحة للحصول على الخدمات المالية على نطاق واسع في الأسواق الصاعدة وفتح الخدمات المالية في أوروبا بفضل مراجعة التوجيهات الخاصة بخدمات المدفوعات (PSD2)، هناك الكثير من الإثارة عن كيفية إعادة النظر في الخدمات المالية لهذا العصر الرقمي.

وتعتبر آسيا هي نقطة البداية لكل هذه الإثارة، وذلك بالنظر إلى الزخم الذي نراه في الصين والهند. ومع توسع الشركات الصينية بقوة في الأسواق المجاورة، هناك توقعات كبيرة لما سيعنيه ذلك بالنسبة للشمول المالي من باكستان إلى الفلبين. فهل بإمكان منصات التكنولوجيا الصينية الكبيرة تحقيق نفس النمو الهائل في هذه الأسواق الجديدة مثلما حدث في الصين؟ لنرى، وإن غدًا لناظره قريب. ولن تتمتع هذه المنصات بالمزايا نفسها التي تتمتع بها في موطنها، لكن المال والمعرفة يتدفقان، ومن شأن ذلك جعل هذه الأسواق جذابة وتستحق النظر إليها. وتتسم الهند أيضاً بالديناميكية الشديدة، وإن كان ذلك على نحو مختلف نظراً لاستثمارات الحكومة الكبيرة في بناء البنية التحتية للأسواق المترابطة. وقد اجتذب القدر الهائل من التكنولوجيا الفريدة في الهند عمالقة التكنولوجيا من كل من الصين ووادي السليكون، وسيكون من المثير للاهتمام معرفة الأطراف الفائزة في هذه الأسواق الجديدة.

الفقراء هم الجزء المهم في هذه المعادلة. وسيظلون محور التركيز، لكن من السهل أن يغيبوا عن أعيننا في ظل هذه الإثارة والضجيج حول التكنولوجيا والابتكار.

وفي الوقت نفسه، صُدمت فعلا في كلا الاجتماعين، فعلى الرغم من استخدام مصطلح الشمول المالي بحرية تامة، إلا أنني لا أستطيع تذكر استخدام كلمات مثل "الفقراء" كثيرًا في أي من اللقاءين. وبالتأكيد كان هناك عدد قليل من الشركات في كلا اللقاءين تركز على خدمة الفقراء، لكن الفقراء لم يكونوا محور التركيز قولًا واحدًا، حتى في سياق الشمول المالي. وعلى الرغم من أن شركة إم ــ بيسا كان لها السبق في استخدام التكنولوجيا لتقديم الخدمات المالية بشكل مختلف، فقد انحرف الشمول المالي عن مساره الأصلي بوصفه خدمات مالية للفقراء. وقد شعرت أن الناس اليوم يعنون أشياء مختلفة للغاية عندما يتحدثون عن الشمول المالي. وبالنظر إلى كل هذ الحماس والتدفقات المالية الكبيرة في مجال الابتكارات المالية التكنولوجية من أجل الشمول المالي، أعتقد أنه من المهم أن يتوقف مجتمع التنمية ويفكر في كيفية جعل ما نقوم به من عمل يناسب هذا العالم الذي يتحرك بوتيرة سريعة. وفي رأيي، الفقراء هم الجزء المهم في هذه المعادلة. وسيظلون محورالتركيز، لكن من السهل أن يغيبوا عن أعيننا في ظل هذه الإثارة حول التكنولوجيا والابتكار.

احذروا الضجيج والمبالغة

ونحن نفكر في ثورة التكنولوجيا المالية، ينطوي هذا الأمر على مجموعة من التحديات التي تواجه هذه الصناعة ويتعين علينا التصدي لها. أولاً، تعتبر الابتكارات المالية التكنولوجية محل مبالغة وضجيج خارج القدر المخطط. وفيما يبدو أن الابتكارات المالية التكنولوجية هي الحل لكل مشكلة من مشكلات التنمية، وأحيانًا يكون ذلك على نحو يجعلني أتشكك في قدراتي العقلية. ونلاحظ أن كل ما يشير إلى التكنولوجيا يكون له نصيب في الحصول على التمويل اللازم والاهتمام سواء أكان ذلك يحل مشكلة حقيقية أم لا. وقد قرأت مؤخرا مقالًا جعلني أحبس أنفاسي عن تطبيقات البلوك تشين التي تحل مشكلة ... التمويل الأصغر! .... بسعر باهظ يبلغ واحد في المائة لقرض لمدة أربعة أيام. ألم يسمعوا عن الائتمان الرقمي؟

أعلم أنني أروج إلى حد ما للتشكيك في تكنولوجيا البلوك تشين، لكن مشكلتي مع هذه التكنولوجيا ليست بالضرورة التكنولوجيا نفسها، بل لأننا نترك الأشياء الجديدة المبهرة تصرفنا عن المشاكل المعقدة في العالم الحقيقي والتي تتطلب الصبر والاستثمار والتركيز من أجل الحل وليس حل التكنولوجيا السحرية. والتكنولوجيا بكل تأكيد جزء من الحل، لكنها مجرد أداة. ويتطلب التغيير الحقيقي نماذج عمل قوية ومهارات وقدرة على تقديم الخدمات لإحداث فرق حقيقي.  كما يتطلب ذلك فهماً قوياً جداً لسياق التنمية الذي نعمل فيه .

مراعاة الفجوة

تتمثل المسألة الأخرى التي تستوقفني، لا سيما وأن الخدمات الرقمية تتعلق بالوصول إلى الفقراء، في السؤال الحافل بالتحديات عن كيفية ربط العالم الرقمي بالغير رقمي الذي ما زال الفقراء يتداولون النقد فيه. وعلى الرغم من النمو المتسارع في المدفوعات من خلال واجهة المدفوعات الموحدة ( - UPIUnified Payments Interface) في الهند، لا يزال لدي أسئلة حقيقية حول كيفية وصول هذه البنية التحتية الرائعة إلى الفقراء. وتستطيع الشركات ممارسة أنشطة مربحة تخدم أعلى 10% في الهند من حيث الدخل دونما التفكير في الوصول إلى الفقراء. وقد عملت بنوك المدفوعات، التي كان الهدف منها أن تكون آلية للسحب والإيداع من جانب العملاء منخفضي الدخل، على النهوض بنماذج العمل في ظل القيود التجارية المتضمنة في التراخيص الصادرة لها. لكن، حتى يتسنى وصول الفقراء إلى البيئة الرقمية، من الضروري أن يكون الناس قادرين على تحويل النقدية إلى أموال رقمية وردها إلى نقدية، ولهذا الغرض، ستظل البنية التحتية لخدمات السحب والإيداع مهمة للغاية.

كما كان من الصعوبة رؤية كيف سيحقق عمالقة التكنولوجيا الكبار نجاحات كبيرة في إفريقيا، على الأقل على المدى القريب، حيث إن الطريقة الوحيدة التي يمكنهم بها تحويل خدماتهم في الوقت الحالي إلى أموال تسير بشكل صحيح من خلال نموذج العمل الخاص بمشغلي شبكات الهاتف المحمول. وهذا لا يعني القول إننا لن نحل مشكلة السحب والإيداع. لكن حتى يتسنى الوصول إلى الفقراء، فإن التوزيع موضوع يتطلب المزيد من الاهتمام لتحسين كفاءته وتوسيع نطاقه. وإلا، فمخاطر الفجوة الرقمية حقيقية للغاية.  

نظرة إلى المستقبل

إذاً، كيف يمكن لمن يركزون منا على تقديم الخدمات المالية للفقراء أن يفكروا في هذا الأمر خلال 2019؟

هناك ثلاثة أبعاد أعتقد أنها ستكون حاسمة لنجاحنا في السنوات القادمة:

  • خلق واجهة بينية متاحة في كل مكان ودونما أي احتكام بين الاقتصادات الرقمية وغير الرقمية بتكلفة تجعلها ميسورة الوصول للفقراء؛
  • جعل نماذج أعمال الخدمات المالية الشاملة قادرة على تلبية احتياجات الفقراء؛ 
  • وضمان أن الجهات التنظيمية مزودة بما يلزم من إمكانات للتمكين من إجراء التجارب اللازمة، مع إدارة المخاطر في نماذج الأعمال الآخذة في الظهور.

وأنتهز هذه الفرصى لطرح عدد قليل من الأفكار بشأن كل عنصر من العناصر السابقة.

مستقبل الشمول المالي في الحلول السحابية ... وشبكة الوكلاء

أظهرت الهند والصين قوة بناء منصات التكنولوجيا المتكاملة وإن كان ذلك بطرق مختلفة للغاية. لكن بناء بنية تحتية متكاملة للصين لسكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة شيء، والقيام بمثل هذا العمل في زامبيا التي يبلغ تعداد سكانها 18 مليون نسمة شيء آخر. ويتطلب اقتصاد المنصات الرقمية نطاقًا واسعًا، كما إنه لا يتوافق مع الحدود والجهات التنظيمية، ويحتاج إلى حلول عديدة ومتنوعة، مما يجعل أفريقيا حافلة بالتحديات أمام كبار اللاعبين في مجال التكنولوجيا. لذلك من المهم للغاية الاستمرار في بناء منصات رقمية مترابطة ومفتوحة (على سبيل المثال، من خلال التشغيل البيني وواجهات برمجة التطبيقات المفتوحة)، والاستثمار في البنية التحتية والبيانات المشتركة للسوق (مثل البنية التحتية للمدفوعات، وإعداد التقارير الائتمانية، والمرافق الخاصة بخدمة قاعدة التعرُّف على العميل إلكترونياً)، ومساندة سلع النفع العام مثل بطاقات الهوية الأساسية. وتساهم كل هذه العوامل في ظهور أنواع المنصات الكبيرة المنتشرة في كل مكان والتي تعمل دون احتكاك، والمطلوبة أيضًا للمساعدة في الوصول إلى السوق بهدف خدمة الفقراء. ولتحقيق الانتشار على نطاق واسع في أفريقيا، يجب أن تتجاوز هذه الحلول الحدود والجهات التنظيمية، الأمر الذي سيتطلب طريقة جديدة لإصدار التراخيص لمقدمي هذه الخدمة والرقابة عليهم.

وعلى نفس القدر من الأهمية، فحتى يتمكن الفقراء من المشاركة في الاقتصاد الرقمي، نحتاج أيضًا إلى جعل خدمة السحب والإيداع ذات قيمة أفضل لمقدمي الخدمة، ويتطلب هذا المسار قدراً أكبر من الانفتاح. وكما أشارت الشبكة العالمية للاتصالات المتنقلة GSMA في تقريرها الأخير عن وضع الصناعة  إلى أن مقدمي الخدمة الذين يتمتعون بمعدلات نشاط عالية ومتوسط ​​عائد مرتفع لكل مستخدم يشتركون في أربع خصائص: شبكات توزيع قوية، وتنظيم داعم، ونموذج قائم على الحساب، وعدد أكبر من عمليات التكامل مع مقدمي الخدمة الآخرين. وبعبارة أخرى، فحتى يتسنى زيادة الحجم المطلوب بهدف جعل خدمة السحب والإيداع ذات جدوى لمقدمي الخدمة، يتعين على المشغلين البدء في التفكير على غرار المنصات الرقمية، وليس توسيع نشاط الهاتف المحمول. وتطرح التطورات والمستجدات التي تشهدها آسيا شيئًا من الإلهام: أثبتت شركة علي بابا العملاقة التي تعمل عبر الإنترنت أن التوزيع الذي تقوده التجارة الإلكترونية يمكن أن يرسخ تطوير البنية التحتية الخاصة بالمدفوعات في الصين. وعلى سبيل المثال، شركة غو ــ جيك، هي شركة رائدة في مجال تقديم الخدمات، و خدمات النقل عبر تكنولوجيا المعلومات، والخدمات المالية تأسست في إندونيسيا، وقد أظهرت هذه الشركة أنه بالإمكان تجميع خدمات السحب والإيداع مع الخدمات الأخرى التي يرغب الناس في استخدامها. أما منصة إيكو في الهند، فهي منصة للمعاملات المالية تعمل على جعل خدمات السحب والإيداع لا مركزية بصورة تامة من خلال تحويل أي شخص لديه هاتف ذكي وقليل من النقود في جيبه إلى ماكينة صراف آلي بشرية. ويظهر الفيسبوك كحل غير رسمي في مجال التجارة الإلكترونية في أسواق عديدة في جميع أنحاء العالم، ويشمل ذلك في أفريقيا. ويجري الآن الاستفادة من هذه الدروس في أسواق أخرى من خلال نماذج الأعمال الخاصة بخدمات النقل عبر تكنولوجيا المعلومات، والتجارة الإلكترونية، وخدمات توصيل الطعام.

لا تزال الخدمات المالية التقليدية مهمة ... ولكن يحتاج مقدموها إلى التكيف

سُئل ويلي ساتون، وهو لص أمريكي شهير متخصص في سرقة البنوك لماذا يسرق البنوك. وكانت إجابته؟ "لأن في البنوك أموال". وعلى الرغم من أن هذه الرواية قد تكون مصطنعة، لكن ما قيل يصح اليوم كما كان في ثلاثينات القرن الماضي. وتقوم البنوك بدور مهم في ضخ السيولة في الأسواق، والقيام بأعمال الوساطة المالية بشأن الودائع، ومن المهم ألا نغفل عن ذلك في خضم كل هذه الإثارة والاضطرابات التي أحدثتها التكنولوجيا. وفيما يبدو لي أنه لا يزال هناك دور مهم للبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر في المشهد الجديد للخدمات المالية. ويحتاج الفقراء إلى أكثر من خدمات المدفوعات والائتمان الرقمي قصير الأجل. فهم بحاجة إلى خدمات الادخار والاستثمار والتأمين. ومن الملاحظ أن المؤسسات المالية مجهزة بشكل خاص لتلبية هذه الاحتياجات في العديد من الجوانب. لكن عليها التفكير في كيفية القيام بذلك على نحو مختلف في العصر الرقمي.

لا يزال هناك دور مهم للبنوك ومؤسسات التمويل الأصغر في المشهد الجديد للخدمات المالية. ويحتاج الفقراء إلى أكثر من خدمات المدفوعات والائتمان الرقمي قصير الأجل.

وقد اطلعت مؤخرًا على تقرير أوضح تأثير انسحاب خدمات التمويل الأصغر على المستوى المجتمعي في أعقاب أزمة ولاية اندرا براديش في الهند. وعلى الرغم من أن الدراسات المعنية برصد هذه الآثار تقدم صورة متناقضة إلى حد ما لأثر الائتمان الصغير على نمو وربحية أنشطة الأعمال الفردية، فقد تناول هذا البحث أثر السحب المفاجئ لخدمات الائتمان الأصغر على المجتمعات الريفية. وخلص هذ البحث إلى أن انكماش نشاط التسهيلات الائتمانية والقروض أدى إلى تقليل الأجور اليومية غير الرسمية، ودخل الأسر المعيشية من الأجور واستهلاكها في المناطق المتضررة. ومن الواضح، حقا أنه إذا أخذت السيولة فجأة من السوق، فإن هذا السوق سينكمش. ومما لا شك فيه أن خدمات التسهيلات الائتمانية والقروض والخدمات المالية الأخرى مهمة لتحقيق كفاءة النشاط الاقتصادي سواء أكان هذا السوق في الولايات المتحدة الأمريكية أو قرية ريفية في الهند.

لكن لا تزال الدراسات الاقتصادية بشأن خدمة الفقراء تسبب نوعًا من الضيق. فعلى الرغم من أنه من الواضح تمامًا أن الابتكارات المالية التكنولوجية ستتحدى النماذج الحالية لتقديم الخدمات المالية، لكن ليس من الواضح حتى الآن بالنسبة لي هل هؤلاء اللاعبون الجدد قد قاموا بتحليل ديناميكيات التكلفة المرتبطة بخدمة الفقراء- وعندما يُنظر إلى البنوك بعين الاعتبار، سنجد أنها تتمتع ببعض المزايا النسبية. ويشمل ذلك البراعة في التنظيم المالي، والموقف المالي القوي، والقدرة على ممارسة الوساطة المالية فيما يخص الودائع منخفضة التكاليف، والإمكانات القوية في إدارة المخاطر، والعلاقات الوثيقة مع العملاء، وأصول البيانات الكبيرة.

ومن المؤكد أن مؤسسات التمويل الأصغر لا تتمتع بجميع نقاط القوة التي تتمتع بها البنوك، ولكنها تقدم خدمات أخرى: تركيز قوي على توفير الخدمات المالية للفقراء، وفهم احتياجات قاعدة العملاء من هؤلاء الفقراء. ونجد أن دمج البنوك ومؤسسات التمويل الأصغر في اقتصاد المنصة الرقمية على نحو يساعد في تحقيق وفورات اقتصادية لخدمة السوق على القدر نفسه من الأهمية في مستقبل الشمول المالي كما هو الحال بالنسبة لبناء المنصات الرقمية التي تجعل هذا الأمر ممكنًا. وهذا يتطلب بعض الأبحاث الذاتية من جانب البنوك لفهم المزايا النسبية التي تتمتع بها في سلسلة القيمة للخدمات المالية التي يتم فصلها بوتيرة سريعة وتتسم بالاستجابة للتغيرات على نحو يتسم بمزيد من السلاسة. وسيتطلب ذلك أيضًا فهم التكنولوجيا وتضمينها بعمق في أنشطتها، ويشمل ذلك المزيد من الانفتاح، ووضع العملاء في بؤرة اهتمام كل ما يتم القيام به، والاستثمار في مهارات جديدة والتفكير الجاد في الشراكات. وهناك بعض النماذج المصرفية الجديدة المثيرة الآخذة في الظهور في أوروبا نتيجة مراجعة توجيهات خدمات المدفوعات، وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف يمكن تطبيق هذا الفكر الجديد في الأسواق الصاعدة.

وعلينا أيضًا التأكد من أننا لا نعوق المسيرة على نحو يحدث ضررًا عن غير قصد. وتوضح التقارير الأخيرة من كينيا أخطار النموذج الجديد: بنوك التمويل الأصغر في كينيا تواجه حالياً تهديداً خطيراً، ومن المفارقات أن هذا التهديد لا يأتي من إم ــ بيسا بصورة مباشرة، ولكن من دخول البنوك من أصحاب الودائع منخفضة التكلفة في مجال القروض الاستهلاكية الرقمية. وشجعت الحدود القصوى لأسعار الفائدة المفروضة على منتجات الائتمان التقليدية البنوك على التحول إلى القنوات الرقمية، حيث استطاع مقدمو الخدمة التحايل على هذا الحد الأقصى إلى حد كبير. وأدى ذلك إلى تحقيق معدلات نمو كبيرة في الائتمان الرقمي، مع وجود شواهد على وجود ضغوط تنافسية على قطاع التمويل الأصغر. وعلى الرغم من الحاجة إلى إدخال المزيد من التحسينات في قطاع التمويل الأصغر في أفريقيا، فمن غير الواضح بالنسبة لي أننا نرغب في اختفائه بصورة تامة وأن يحل محله منتجات رقمية قصيرة الأجل وباهظة التكلفة. ومن الممكن أن تكون الاضطرابات، بل وينبغي أن تكون، قوة دافعة لصالح القطاع المالي، لكن علينا أن نحرص على ألا يكون الشمول المالي المسؤول للفقراء من الأضرار الجانبية لهذه العملية. 

للجهات التنظيمية أهمية بالغة ... لكن يجب عليها مواكبة معدلات التغيير المتسارعة 

توضح حالة كينيا التحديات التي تواجه الجهات التنظيمية والإشرافية والرقابية عند الإشراف والرقابة على هذا المشهد الجديد الخاص بتقديم الخدمات المالية الذي تسوده روح الشجاعة والجرأة. ومن شأن وجود حد أقصى لسعر الفائدة، يتم تطبيقه على نحو غير متساو، إيجاد حوافز قوية نحو نوع معين من المنتجات، مما قد يؤدي إلى عدم تحقيق النتيجة التي ترغب الجهة التنظيمية في تحقيقها. وقد لاقت كينيا قدراً هائلاً من الاهتمام بالابتكار الذي ترعاه، مع وجود تحسينات في مؤشرات الشمول المالي تتفوق فعليًا من حيث الأداء على جميع بلدان العالم. لكن مع هذا التحول تأتي أخطار جديدة، ويجب على الجهات التنظيمية أن تظل على استعداد لمواجهة التهديدات الآخذة في الظهور. وكلما كان قطار الابتكار أسرع، كلما كان من الصعب مواكبة ذلك.

ولدينا فكرة جيدة للغاية عن أنواع خيارات السياسات التي من شأنها تعزيز تقديم الخدمات المالية للفقراء، لكن ليس لدينا حتى الآن إدراك قوي بشأن كيفية إدارة هذه التغييرات. ومن الضروري إعادة النظر في البيئة التنظيمية، وربما إعادة تحديدها، مع إدخال تحسينات بشأن مقدمي الخدمات الجدد المرخصين الخاضعين للإشراف، وتحسين معايير أمن نظم المعلومات، وتدعيم حماية المستهلكين، وتعزيز قوانين حماية البيانات والخصوصية والمنافسة، بالإضافة إلى العديد من الجوانب الأخرى. وهناك حاجة متزايدة إلى إعداد الجهات التنظيمية على نحو أفضل بهدف التصدي للتحديات المستقبلية، وهذا مجال غالبًا ما يتم تجاهله من جانب مجتمع التنمية. وإذا أردنا حماية المكاسب التي تحققت في الشمول المالي في السنوات الأخيرة، لا بد أن نقدر أن ثمة أهمية حاسمة للدور الذي تقوم به الجهات التنظيمية. وتعتبر المختبرات التنظيمية والعملات الرقمية من الأمور الجيدة للغاية، ولكن توجد بعض الثغرات الكبيرة في الأساسيات التي تحتاج إلى معالجة على نحو متواز.

لم نعد بحاجة إلى التشجيع

هذا ما جعلني أعود إلى سيجاب. ففي أغلب الأحوال ترى سيجاب نفسها رائدة التطوير في مجال الشمول المالي، لكن مع القفزات التي يشهدها العالم في الابتكارات المالية التكنولوجية، أعتقد أننا قد نحتاج إلى تغيير طريقة تفكيرنا. ومن الصعب على نحو متزايد تقديم مبررات لعملنا في مجال التكنولوجيا المتقدمة، لا سيما، عندما تستثمر المؤسسات الكبيرة ذات الموارد الكبيرة مثل آنت فايننشالAnt Financial ، وتين سنت TenCent، والشركة العالمية لتنمية الأعمال للمؤسسات الرقمية الجديدة BBVA، وجوجل، وفيسبوك، وأمازون، والبنك الدولي على نحو هائل في استخدام التكنولوجيا لتوسيع نطاق الوصول إلى الخدمات المالية وتعميمها. ونحن متحمسون لوتيرة التغيير مثل أي شخص آخر، لكنني لا أعتقد أننا بحاجة إلى إقناع أي شخص بقيمة التكنولوجيا في الخدمات المالية بعد الآن.

وتأتي التكنولوجيا في صميم التغيير في الخدمات المالية. وتتمثل المزايا النسبية لسيجاب في جذورنا العميقة في مجال التمويل الأصغر والشمول المالي للفقراء، إلى جانب خبرتنا في مجال التمويل الرقمي على مدى السنوات العشر الماضية. وسيتمثل التحدي الذي تواجهه سيجاب في الجمع بين هذين العالمين أي جعل الفقراء في بؤرة الاهتمام فيما نقوم به من أعمال وأنشطة وفي الوقت نفسه التفكير الجاد في كيفية استغلال الابتكار المذهل الذي يحدث على نحو مستمر لتحقيق أهدافنا المتمثلة في ضمان قدرة الفقراء على اغتنام الفرص وإدارة المخاطر على نحو فعال. وحتى يتسنى القيام بذلك، يجب أن تتجاوز رؤانا الضجيج والمبالغات، واختبار أساليب جديدة على المستويين الخاص والعام، وفهم ما يحقق نتائج إيجابية للفقراء، وإدراك مكمن القيود على هذه الأساليب الجديدة، وتطبيق هذا التعلم على تقديم الخدمات المالية وتنظيمها من أجل الفقراء. وبطبيعة الحال، تبادل تجارب التعلم مع العديد من شركائنا وأصحاب المصلحة حتى يتمكنوا من الاستفادة منها فيما يقوموا به من جهود. في خطة سيجاب خلال هذا العام عدد من الأنشطة التي من شأنها طرح رؤى جديدة وإلهام هؤلاء الذين يعملون في مجال الشمول المالي من أجل الفقراء. أنا متشوقة لرؤية ما في جعبة 2019!

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.