مدونة البوابة

التأمين ليس للأثرياء فقط!

نتائج دراسة الطلب على منتجات التأمين متناهي الصغر في مصر
رجل مصري في الزي التقليدي الريفي. تصوير كيم اون يول، البنك الدولي 2008.

في إطار برنامج التعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية، قامت هيئة التعاون الدولي اليابانية (جايكا) بعمل إستقصاء بحثي لدراسة الطلب على منتجات التأمين متناهي الصغر  في أربع محافظات في مصر (أسوان، وسوهاج، والمنيا، والمنوفية) من أجل التعرف على احتياجات الشرائح المستهدفة من عملاء التمويل متناهي الصغر.  وقد قامت هيئة التعاون الدولي اليابانية بإعداد وإصدار تقريرا بالإنجليزية  عن هذه الدراسة تحت إشراف كل من هيئة الرقابة المالية ومعهد الخدمات المالية.  ويقوم السيد كنتا أوهنو، خبير استشاري وكاتب التقرير بعرض أهم النتائج والتوصيات من دراسة الطلب.

التأمين الأصغر والشمول المالي

يمثل القطاع غير الرسمي نسبة كبيرة من الاقتصاد المصري ويضم حوالي 85% من إجمالي العمالة الخاصة بالمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وبالرغم من أن نسبة البالغين أصحاب الحسابات قد ارتفع إلى 33% خلال الأعوام الأربعة الأخيرة  في مصر (وفقا لقاعدة بيانات المؤشر العالمي للشمول المالي لعام 2017) ؛ إلا أنه لا يزال هناك طريق طويل فيما يتعلق بالشمول المالي كما هو الحال في معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (بإستثناء دول الخليج). ما هي الأسباب لذلك؟

تعددت الأسباب ولكن أود أن أركز على سببين رئيسيين.  أولا، إن عدم وجود صيغة رسمية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر يمثل عقبة كبيرة أمام وصول أصحاب هذه المشروعات من ذوي الدخل المنخفض إلى الخدمات المالية وغير المالية التي يحتاجون إليها لتحسين مستوى المعيشة لهم وأسرهم. ثانيا، أن مؤسسات التمويل الأصغر غير الحكومية في مصر وغيرها من الدول العربية  والتي تعتبر الجهة الرئيسية لتقديم الخدمات المالية لذوي الدخل المنخفض؛ غير مسموح لها بتقديم خدمات مالية أخرى غير الإئتمان!

ولكن في الآونة الأخيرة بدأت الجهات التنظيمية بالمنطقة أن تقدر أهمية فتح المجال لتقديم الخدمات المالية الإضافية بالشراكة بين الجهات المعنية من أجل تعزيز الشمول المالي؛ ومن ضمنها خدمات التأمين متناهي الصغر.  وبالتعاون مع الهيئة العامة للرقابة المالية، ترى هيئة التعاون الدولي اليابانية دورا كبيرا للتأمين متناهي الصغر من أجل تعزيز الشمول المالي  في مصر.

التأمين ليس للأثرياء فقط!

يعتبر معدّل انتشار التأمين متناهي الصغر بين السكان في مصر منخفضا للغاية ولم يتعدى 0.32% من إجمالي عملاء التمويل متناهي الصغر عندما بدأت هيئة الرقابة المالية في الإشراف على القطاع وجمع بيانات مقدمي الخدمات. وفي عام 2015، قام برنامج التعاون بين الهيئة العامة للرقابة المالية وهيئة التعاون الدولي اليابانية ببناء إطار تنظيمي وآليات تعاون بين الجهات التنظيمية ومقدمي خدمات التأمين متناهي الصغر. وتم بعد ذلك رفع منتجات التأمين متناهي الصغر إلى مقدمي خدمات التأمين. وقامت هيئة التعاون الدولي اليابانية في عام 2017 ، بطرح المساعدة المتعاقبة لتنمية قدرات كل من الجهات التنظيمية ومقدمي خدمات التأمين الخاصة في تطوير منتج التأمين متناهي الصغر.

ومن خبرتي في مجال التأمين حول العالم، أرى أن من أهم العوامل لتحقيق النجاح في التأمين متناهي الصغر هو معرفة العملاء. وقد اعتقد مقدمو خدمات التأمين في مصر لفترة طويلة أن الأشخاص ذوي الدخل المنخفض لا يمكن لهم أن يكونوا عملاء وكان التصوّر فيما بينهم هو أن التأمين هو فقط للأثرياء. وعلاوة على ذلك ، فقد كانوا بالكاد يخرجون ليستمعوا إلى عملائهم المحتملين عند تصميمهم لمنتجات جديدة.

ومع ذلك فإن الأدلة على الأثر الإيجابي من التأمين الأصغر المصمّم خصيصا للأشخاص ذوي الدخل المنخفض الذين يشكلون نسبة كبيرة من عدد السكان يمكن الإطلاع عليها في العديد من التجارب حول العالم. وقد قام فريق عمل مشروع هيئة التعاون الدولي اليابانية بدعوة المؤسسات الرائدة في مجال التأمين متناهي الصغر من الدول المجاورة بما فيهم غانا والأردن والمغرب. وكان ذلك بمثابة أمر مثير للدهشة للمشاركين في الحدث؛ وذلك لمعرفة أن هناك مشروعات ناجحة للتأمين متناهي الصغر. وعلاوة على ذلك ، فإن زيادة مشروعات التأمين متناهي الصغر من الممكن مشاهدتها في الفلبين أو الهند أو دول جنوب الصحراء الكبرى. ولذلك ، فلماذا لا يتم ذلك في مصر؟ إنه لا يمكن جعل مقدمي خدمات التأمين يتخلون عن الأفكار المسبقة المتعلقة بالتأمين متناهي الصغر؛ إلا إذا ما تم عرض منتج جيد للعملاء. ولا يمكن تطوير منتجات جيدة للتأمين متناهي الصغر إلا عن طريق الاستماع إلى مطالب العملاء.

الاستماع إلى العملاء من أجل توفير منتج ملائم للتأمين متناهي الصغر

من أجل توفير رؤية متكاملة للفرص والمتطلبات الرئيسية لتطوير منتج التأمين متناهي الصغر في مصر، وجد فريق عمل المشروع أن هناك حاجة ملحّة لفهم متطلبات الأفراد من ذوي الدخل المنخفض من أجل تلبيتها بصورة ملائمة من قبل مقدمي الخدمات. وتم بالفعل إضافة دراسة الطلب كنشاط إضافي لمشروع المساعدة الفنية. وقامت هيئة التعاون الدولي اليابانية بمساعدة فريق عمل المشروع لإيجاد وسيلة لزيادة الميزانية التقديرية الأصلية من أجل تنفيذ بحث نوعي. كما حظيت الفكرة بدعم كل من الهيئة العامة للرقابة المالية ومعهد الخدمات المالية.

دراسة الطلب على التأمين متناهي الصغر في مصر، ديسمبر 2017.

سعت الدراسة إلى استكشاف الوضع الراهن والتعرف على احتياجات العملاء من خلال مجموعات نقاش بؤرية مع المستفيدين من التمويل متناهي الصغر في أسوان وسوهاج والمنيا والمنوفية (إجمالي 16 مجموعة) بالإضافة إلى لقاءات عامة بالتعاون مع جمعيات التمويل متناهي الصغر في المحافظات الأربعة. وتمت مناقشة المحاور الهامة التالية:

  • الأحداث أو المخاطر التي يواجهها هذا السوق المستهدف والآثار المترتبة عليها
  • الإستراتيجيات الحالية التي يستخدمها الأشخاص من أجل إدارة المخاطر
  • تحديد الفجوات في الآليات المستخدمة للتأقلم  سواء الرسمية أو غير الرسمية والتي قد يقوم التأمين متناهي الصغر بمعالجتها

 المرض وفقدان الأصول من المخاطر الرئيسية

خلص النقاش مع المجموعات المختلفة إلى أن المرض يعتبر هو الخطر الأساسي الذي يواجه شريحة الدخل المنخفض؛ وبشكل خاص كانت مجموعات النساء أكثر قلقا بشأن المرض عن الرجال. أشار المشاركون إلى أن المرض يمثل الخطر الذي يؤدي بشكل مباشر للصدمات المالية، وغالبا ما يؤدي إلى فقدان جميع المدخرات والدخل اليومي نظرا لعدم وجود رعاية صحية جيدة بأسعار مناسبة بالإضافة إلى مصاريف النقل والعلاج والإقامة بالمستشفى إذا لزم الأمر.

كما تم اعتبار انهيار المسكن و/أو فقدان الأصول من المخاطر الشديدة المحتمل حدوثها في المناطق التي تتعرض للأمطار الشديدة و/أو بسبب تسرب المياه من نظام الصرف الصحي.

وأشار المشاركون إلى أنهم يلجأون إلى الأنظمة التقليدية للإدخار والإقراض الدوارة أو "الجمعية" في حالات الطوارئ؛ إلا أنهم وجدوا أن هذه الآلية التقليدية للتأقلم غير كافية في بعض الأحيان لتغطية الخسارة وفي أحيان كثيرة، لا يكون لديهم المقدرة على سداد الإلتزام الشهري. كما أشار معظم المشاركين فى البحث وبالأخص الإناث أنهم لم يحصلوا على تأمين خاص. إلا أن لديهم فكرة عن المفهوم الأساسي للتأمين وهو أن يتم دفع قسط مقابل الحصول على منفعة؛ ولكن المفهوم العام لديهم عن التأمين هو ما يعرف بمعاش التقاعد أو التأمينات الاجتماعية. وعند طرح فكرة تقديم منتج للتأمين متناهي الصغر، أفاد معظم المشاركين برغبتهم  في الحصول على التأمين فقط في حالة إذا كان القسط بأسعار معقولة.

مستقبل واعد للتأمين متناهي الصغر في مصر

كما هو واضح من دراسة الطلب، فإن المنتجات التأمينية الأكثر طلبا من شريحة عملاء التمويل متناهي الصغر هي التأمين الصحي والذي يشمل دفع مصاريف المستشفى، يليها التعويض عن الخسارة وفقد ممتلكات أو أصول، وأخيرا المساهمة في مصاريف التعليم.

احتياجات العميل منخفض الدخل لا تختلف كثيرا إذا عن الاحتياجات الأساسية لنا جميعا! الاختلاف بالأحرى في ترتيب الأولويات؛ وتختلف هذه من فئة إلى أخرى حسب مستوى الدخل والنوع والسن بل أحيانا من منطقة إلى أخرى حسب المخاطر القائمة والمحتملة وأساليب التأقلم والتعافي المتاحة من القنوات الرسمية وغير الرسمية. لذلك  يجب على مقدمي الخدمات التحدث مع العملاء والاستماع إليهم جيدا من أجل تطوير منتجات تأمينية ذات قيمة مضافة.

وهنا أود أن أرجع إلى الأساسيات. حسب مركزالتأمين الأصغر، فإن  نجاح منتج التأمين متناهي الصغر يعتمد علة وجود الصفات التالية:

  • السهولة والبساطة – من حيث الإجراءات والشروط والتسويق
  • الوضوح والشفافية – وضوح التسعير وشروط العقد وتفاصيل التغطية 
  • سهولة الوصول إلى وفهم الخدمة بالنسبة للعميل –  سهولة عمليات الدفع والتسوية (أقساط التأمين، التعويض، المطالبة)
  • وجود قيمة مضافة من المنتج – تلبية احتياج عند العميل، توفير حزمة متكاملة من الخدمات بأسعار مناسبة وعادلة
  • الكفاءة لجميع الأطراف المعنية –  شركات التأمين وقنوات التوزيع والجهات التنظيمية

وختاما، أتمنى أن يتم تطوير منتجات تأمين قيّمة لأصحاب المشروعات متناهية الصغر من ذوي الدخل المنخفض في مصر وتمهيد الطريق لكي تكون من رواد التأمين متناهي الصغر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المستقبل القريب.

>> تقرير دراسة الطلب على منتجات التأمين متناهي الصغر (بالإنجليزية).

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.