مدونة البوابة

البراعم الخضراء في الصحراء

الاستثمار في الزراعة وأصحاب الحيازات الصغيرة في تونس
لا يزال يواجه المزارعون من أصحاب الحيازات الصغيرة في جميع أنحاء العالم تحديات واسعة النطاق والتي تحد من تحقيق المنشود من التنمية. وتقدر بعض الدراسات الطلب على التمويل من أصحاب الحيازات الصغيرة بحوالي 450 مليار دولارا أمريكيا، الغالبية العظمى من هذا التمويل لم يلب بعد. نقص التمويل يحول دون الاستثمار في الأسمدة والبذور والتدريب والمعدات، وهو أمر أساسي لزيادة المحصول والإيرادات. ونتيجة لذلك، يضطر العديد من المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة النضال من أجل كسب لقمة العيش، ناهيك عن انتشال أنفسهم من الفقر. هذه المسألة ملحة خاصة في ظل فعالية النمو الزراعي في الحد من الفقر في العديد من البلدان. تقديم الدعم للقطاع يمكن أن يؤدي إلى زيادة النمو وخفض مستويات الفقر؛ أما غياب الدعم يمكن أن يؤدي إلى الركود والفشل في التطوير. وعليه فإن هناك طلب واضح للمستثمرين الذين بإمكانهم توفير التمويل لصغار المزارعين في البلدان النامية المختلفة بما في ذلك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
 
وقد تأسست شركة "ريسبونسابيلتي" responsAbility  في عام 2003،  وأصبحت تعرف كأكبر بنك خاص في قطاع التمويل الأصغر في العالم وتدير محفظة تقدر بنحو 2.4 مليار دولارا أمريكيا. وقد استثمرت أكثر من 100 مليون دولار في ست دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العشر سنوات الأخيرة. وبالإضافة إلى التمويل الأصغر، تستثمر responsAbility  أيضا في مجالات الطاقة والتعليم والرعاية الصحية والزراعة. وفي مجال الزراعة، أطلقت responsAbility منذ ثلاث سنوات صندوق الاستثمار في التجارة العادلة. و تبلغ قيمة الصندوق الآن أكثر من 80 مليون دولارا استثمرت في 41 دولة في منظمات الزراعة المستدامة، ومعظمهم من التعاونيات المنتجة التي تعمل في انتاج وتجارة أو تجهيز السلع الرئيسية مثل القهوة أو الكاكاو. كما تشمل محفظة صندوق التجارة العادلة المنظمات التي تغطي أكثر من ثلاثين سلعة مختلفة، بما في ذلك التخصصات الإقليمية مثل حبوب الكينوا، والشيا، وسكر جوز الهند.
 
وتشمل هذه التخصصات أيضا سلع محددة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما التمور. وتعتبر تونس أكبر دولة مصدرة في العالم للتمور، وهي أيضا أكبر منتج لنوعية "دقلة نور"- أكثر التمور جودة. يواجه منتجي التمور أصحاب الحيازات الصغيرة في تونس مجموعة متنوعة من التحديات تشمل عدم توافر مياه الري، وعدم كفاية التمويل وعدم الوصول إلى الأسواق والمواد الأولية. يضاف إلى كل ذلك التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد على الرغم من الانتخابات الديمقراطية الأخيرة. وشهدت سنوات بن علي القليل في مجالات التنمية، ولا سيما في المناطق الريفية  مع تفشي القضايا الهيكلية، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة والبنية التحتية المتهالكة، مما يشكل حواجز كبيرة للتقدم. ولذلك تطوير ودعم الزراعة في تونس - التي توفر خمس فرص العمل و تمثل 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وترتفع هذه النسبة إلى 50٪ في المناطق الريفية الأكثر فقرا - سيكون حاسما في استعادة الاقتصاد ورفع مستويات المعيشة بعد سنوات من الإهمال.
 
ونود أن نعرض تجربتنا في الاستثمار في منظمة تقدم حلول مستدامة في مجال الزراعة التونسية وهي شركة بني غريب التي تأسست في عام 2002 لتكييف وتصدير التمور ومقرها واحة حزوة، وهي قرية بالقرب من الحدود مع الجزائر وعلى بعد 250 كم من الساحل. وتعمل بني غريب مع 360 عائلة محلية في جمع وتجهيز التمور من أصحاب الحيازات الصغيرة. وفي السنوات التي سبقت تأسيس بني غريب، كانت الحياة في حزوة تشتد صعوبة. ويشير صادوق السعيدي، المدير التنفيذي لشركة بني غريب بأنه "منذ الستينيات فصاعدا، تدهور الحصول على المياه بشكل متزايد نظرا لاستهلاك المشاريع الكبرى في المنطقة، و بالتالي انخفضت نوعية وحجم الانتاج لدينا". مع قلة المساعدة من حكومة غير مكترثة، شهدت عائدات المزارعين انخفاضا حادا، وفضل الشبان المحليون الرحيل بحثا عن سبل الرزق في الخارج حتى لو كان عبور المتوسط مخفوفا بالمخاطر والهلاك.
 
وعلى الرغم من تلك التحديات، وبعد إثني عشر عاما، استخدمت بني غريب مكانتها كمنتج تمور بيولوجية (عضوية) ذات جودة عالية من أجل زيادة الأسعار التي يحصل عليها المزارعون بمقدار 50٪. كما قدمت بني غريب الدعم والمشورة للمزارعين المحليين لإدخال نظام الري الجديد الذي يوفر الماء كل ثلاثة أيام - انجاز كبير في ظل تساقط 50مم من الأمطار سنويا. وأعرب محمد بن بيشي السعيدي، أحد الفلاحين أن "مع نظام الري، أصبحت قادرا على القيام في غضون ستة أشهر ما قد سعيت لتحقيقه في 15 عاما". وتقوم الشركة بمشاريع داعمة أخرى تتراوح بين محطات السماد إلى الناموسيات لحماية التمور، واستطاعت بني غريب بذلك زيادة العمالة المحلية والإنتاج. والجدير بالذكر أن الوزن المتوسط لتمور المجموعة تصل الآن إلى 12 جرام (مقارنة مع 8 جرام معيار الوزن العام)، في حين نمى حجم المحصول من 189 طن في عام 2010/11 إلى 380 طن في عام 2012/13.
 
ولا يزال يواجه بني غريب التحدي المتمثل في التعامل مع موسمية العرض والطلب. على الرغم من توافق الموسمين (موسم الحصاد من أكتوبر/تشرين الأول إلى ديسمبر/كانون الأول مع الطلب ويبلغ الذروة  في عطلة أعيادالميلاد)، فإن الفجوة بين دفع المزارعين في وقت مبكر (وذلك للمساعدة في تكاليف الحصاد) والدفع من المشترين عند التسليم من شأنه أن يعرقل عمل منظمات المنتجين في التصدير. كما أن قنوات التمويل محدودة للغاية حيث أن القطاع المصرفي المحلي لا يزال في طور التطوير. ويضيف صادوق السعيدي بأن "تجاريا، من الصعب بالنسبة لنا العثور على مشترين لشراء المنتج فورا. إذا لم يكن لدينا القدرة على دفع المزارعين أولا بأول، وليس بوسعنا تخزين المحصول، فأنهم سوف يذهبون إلى وسطاء في مكان آخر، حتى لو كان يعني ذلك الحصول على أسعار أقل على المدى الطويل."
 
وتشير ماريا-آنجيلا بنزا، كبيرة مسؤولي الاستثمار والمسؤولة عن منطقة الشرق الأوسط في responsAbility، قائلة: "لقد أتاح تمويل responsAbility  لبني غريب زيادة أعداد المزارعين من الذين يوفرون المواد الخام وبالتالي خلق فرص إضافية للتنمية المحلية وتحسين سبل العيش. تقديم الخدمات المالية لمنظمات مثل بني غريب التي تجمع أصحاب الحيازات الصغيرة، وبالتالي تحسن قدرتهم للحصول على سعر أعلى لمنتجاتهم، هو واحد من الأهداف الرئيسية لصندوق التجارة العادلة."
 
وقد بدأ اسم بني غريب بالفعل في الانتشار في جميع أنحاء البلاد. ففي مايو/أيار، الشهر الوطني للزراعة في تونس، استضافت قرية حزوة وزير الزراعة بالإضافة إلى ستين ممثلا عن المؤسسات الوطنية والدولية الكبرى الذين حضروا لسماع تجربة بني غريب في تحويل الاقتصاد المحلي. "إن الحكومة تولي اهتماما أكثر وأكثر للمبادرات الخاصة مثلنا - قبلا، كانت الدولة  تستهلك كل شيء وتلقي بنا جانبا. أما اليوم، فقد بدأت الدولة تفهم قوة المؤسسات الصغيرة، خاصة التعاونيات الزراعية مثلنا"،  أضاف صادوق السعيدي. "لقد خلقت الثورة الأمل، حتى لو وقعت أخطاء. قبلا لم نتمكن من الكلام، وكان مسموح فقط التهليل. الآن لدينا حوارا وطنيا، ونحن الآن نتواصل."

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.