مدونة البوابة

الخدمات المالية الرقمية ومستقبل الشمول المالي في منطقة الشرق الأوسط

سوق بالمغرب. البنك الدولي 2016.

يوجد حماس متزايد حول الطفرة الإيجابية التي من الممكن أن تحدثها الخدمات المالية الرقمية في صناعة الشمول المالي. فعلى مدى عقود كانت التكلفة المرتفعة، والحاجة إلى المزيد من الموظفين، وطبيعة التمويل الأصغر التي تحتاج إلى تفاعلات إنسانية كثيرة من خلال تواجد مكاتب تقليدية؛ تمثل عقبة رئيسية في مواجهة التوسع في الانتشار وكذلك لخفض تكاليف الخدمات المالية للفقراء.

إن المجتمعات ذات الدخل المنخفض من أجل إدارة أموالها تقوم في الوقت الحالي بالحصول على الخدمات الرقمية بشكل متزايد عن طريق استخدام الهواتف المحمولة والبطاقات القابلة لإعادة الشحن والوكلاء المحليين والأساليب الأخرى لنقاط البيع. وتوجد في كينيا أفضل الأمثلة المعروفة، حيث قامت شركة إم-بيسا بثورة على الطريقة التي اعتاد الفقراء استخدامها لتحويل الأموال لأسرهم في جميع أنحاء البلاد، وكان من شأن إم-شواري تمكينهم من الادخار والحصول بشكل فوري على مبالغ صغيرة للائتمان تكون مرتبطة بالمدخرات عبر هواتفهم المحمولة.

وعلى الرغم مما نلاحظه الآن من وجود العديد من الحلول التي تساعد في إدارة المدفوعات، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي القيام به من أجل تمكين الخدمات المالية الرقمية للمضي قدما وإتاحة الفرصة لمجموعة من الخدمات الأكثر قوة والتي تتضمن القروض والمدخرات والتأمين وتحويل الأموال خارج الحدود. ومع ذلك وبالرغم من العوائق التنظيمية، فإن عدم توافر العمل المترابط فيما بين الحلول والنظم المختلفة، وكذلك استمرار الحاجة للتفاعلات الإنسانية الكثيرة لمثل هذه الخدمات يجعل من الصعب انتشارها بشكل حقيقي ، إلا أن الكثير من المعنيين بالصناعة يعتقدون أن هذه الحلول هي الطريق إلى المستقبل.

لكن غالبا ما يتم إغفال أهمية أحد التغييرات الناتجة عن ابتكارات التحوّل الرقمي وهي:  إمكانية الثورة على إجراءات الدعم البطيئة للمكاتب الخلفية للبنوك ومقدمي الخدمات المالية. وقد يكون هذا التغيير أقل أهمية، إلا أنه قد يقوم بتغيير جذري لأن بإمكانه وبسهولة تقليص الوقت والتكلفة إلى أكثر من النصف. وبعبارة أخرى، فإن شركات التكنولوجيا مليئة بالوسائل الجديدة التي يمكنها التحويل الرقمي بشكل كامل لاقتناء العملاء وإدارة الحسابات.

إن المزيج من المنتجات والقنوات الرقمية والتغيير الجذري للإجراءات الإدارية من أجل تقديم احتياجات العملاء بسرعة وسهولة يدل على التطور الجذري الحقيقي الذي طالما انتظرت الصناعة حدوثه.

لقد بدأنا نرى حدوث ذلك في منطقة الشرق الأوسط، حيث قضيت بها وقتا كبيرا لبناء شبكة لمقدمي خدمات التمويل الأصغر تعرف باسم "مجموعة فيتاس". والتي تم تأسيسها بواسطة منظمة مجتمعات عالمية وهي منظمة تنموية عالمية غير هادفة للربح تعمل في 27 دولة. وتقوم فيتاس بإقراض المشروعات الصغيرة في العراق والأردن ولبنان وفلسطين. إننا نشهد الآن منطقة الشرق الأوسط وهي تمر بتحوّل تكنولوجي هائل من الممكن أن يضعها على حافة التطور الرقمي الكبير. وإذا قامت الحكومات والمؤسسات الخاصة بتطبيق ذلك بشكل صحيح، فمن الممكن أن يكون التمويل الأصغر القطاع القادم للحلول الرقمية في المنطقة.

إن تقرير ماكينزي لعام 2016 يوضّح أن دولا مثل البحرين والإمارات العربية المتحدة وقطر هي دول رائدة في تطبيق حلول المستهلك الرقمية عن طريق اعتماد الهواتف الذكية بمعدلات كبيرة واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي. إن التحوّل الرقمي ليس من شأنه فقط تحسين الكفاءة، بل أيضا يتيح للأشخاص الوصول إلى الحسابات ويقوم بإنشاء سجل إلكتروني للأعمال و كذلك يقوم بتوفير فرص أعمال جديدة. وعلاوة على ذلك، فإن التحوّل الرقمي يساعد الحكومات على توزيع المدفوعات النقدية بطريقة آمنة وتحصيل الضرائب والرسوم وتوفير الأموال.

ونتيجة لأزمة اللاجئين السوريين، يوجد في الآونة الأخيرة تضافر للجهود من أجل تطبيق حلول المدفوعات الرقمية للأغراض الإنسانية. وتعتبر سيجاب و ماستركارد وفيزا ومؤسسة بيل وميليندا جيتس من بين العديد من المؤسسات المهتمة باستكشاف كيف يمكن أن يكون وضع حسابات رقمية للاجئين بمثابة مدخل للخدمات المالية الأخرى مع مرور الوقت. ويتضمن ذلك المدخرات والقروض، ليس فقط من أجل تسريع الشمول المالي بين اللاجئين بشكل أوسع، بل أيضا لإنشاء هويات رقمية من شأنها تكوين تاريخ مالي (والتفكير في التصنيف الائتماني) والذي يمكن أن يرتبط بهم أينما يذهبون. وبهذه الطريقة يتواجد اللاجئون والمهاجرون على الخريطة وبالتالي يتواجد المزيد من العملاء القابلين للاستمرار مع المؤسسات المالية في دول جديدة.

هذا، وتوجد علامة إيجابية أخرى للخدمات المالية الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وهي شريحة الشباب. فوفقا لتقرير شبكة إكونوميست كوربوريت لعام 2016، فإن ما يزيد عن 60% من سكان المنطقة تقل أعمارهم عن 30 عاما. إن هؤلاء المستهلكين هم من المغرمين بالتكنولوجيا وعلى استعداد لتجربة منتجات غير تقليدية للخدمات المالية الرقمية المبشرة بالسرعة والسهولة. ولكن بالرغم من استعداد المستهلكين إلا أن الحكومات والمؤسسات والمشروعات الخاصة قد عانت من أجل مواكبة هذه البيئة المتغيرة.

إن مجتمع الشرق الأوسط، مثلما هو الحال في العديد من الاقتصاديات الناشئة، هو مجتمع يعتمد على النقدية بشكل كبير. وسوف يتغير ذلك بشكل تدريجي، إلا أنه يجب بناء الثقة التي تعني تعزيز الأمان والخصوصية. وعلاوة على ذلك، فإن الحلول الرقمية يجب أيضا أن تقوم بحل مشكلة كبيرة للمستهلكين وهي البدء في استخدام هذه الحلول من أجل استرداد تكلفة الاستثمارات الكبيرة في البنية الأساسية وشبكات الوكلاء. إن استخدام العملاء لمنصات المدفوعات الرقمية سوف يعتمد على ثلاثة عوامل رئيسية هي:

  • البنية التحتية: إن عدم توافر بنية تحتية لفروع البنوك أو عدم ملاءمة ساعات العمل أو المواقع في بلد ما، من شأنه تشجيع العملاء على إجراء مدفوعاتهم باستخدام التكنولوجيا الرقمية. وإذا كانت الفروع بعيدة جدا عن أماكن سكن العملاء أو أماكن قيامهم بأعمالهم، فهذا أيضا يدفعهم إلى استخدام وسيلة بديلة. وبينما نجد في الأردن ولبنان تغطية بنكية جيدة وبشكل عام تتواجد على مسافة جغرافية صغيرة من مدينة لأخرى، نجد أنه في أماكن أخرى مثل مصر والعراق قد تم البدء في إنشاء أرضية ملائمة للخدمات المالية الرقمية.
  • التكلفة: إن تكلفة المعاملات الناتجة عن ترك مشروع ما والذهاب بعيدا إلى فرع أو إلى مكتب بريد من أجل إجراء بعض المدفوعات يؤدي إلى تضييع للمال والوقت على حساب وقت العمل.  وعلاوة على ذلك، فإذا انطوت عملية إرسال الأموال أو إجراء المدفوعات على رسوم كبيرة لإجراء المعاملة كنسبة مئوية من المبلغ، فإن العملاء سوف يبحثون عن خيارات أخرى أقل تكلفة. لذلك يجب وضع طريقة لتوضيح المبالغ التي سيتم توفيرها وذلك من أجل تحفيز العملاء على استخدام المدفوعات الرقمية.
  • الإعتبارات الأمنية: إن ترك المنزل والذهاب بعيدا إلى بنك أو مكتب بريد يعتبر في بعض مجتمعات الشرق الأوسط من الأمور غير الآمنة، وكذلك فإن الوقت المستغرق في التنقل يعتبر كبيرا جدا. وبالتالي، فإن ظروف الأمان والسلامة غير المواتية من شأنها أن تولد رغبة لدى العملاء في السعي وراء خيارات أسهل مثل استخدام التكنولوجيا الرقمية. و هذا هو الحال بشكل خاص في العراق حيث تقوم مؤسسة فيتاس بصرف ما يزيد عن 11 مليون دولار كل شهر للعملاء، إلا أنها كانت غالبا ما تضطر إلى إغلاق بعض الفروع مؤقتا أو تضع قيودا على بعض المعاملات من أجل التأقلم مع البيئة الأمنية غير المستقرة.

إن الشمول المالي على المدى الطويل في هذه المنطقة كغيرها من المناطق الأخرى، من الممكن أن يتزايد بسرعة عن طريق استخدام الخدمات المالية الرقمية. وفي الوقت نفسه، يتعين على الحكومات على المدى القصير، أن تتعاون مع المؤسسات الخاصة من أجل إنشاء وتنفيذ سياسات وأطر تنظيمية أكثر ملاءمة يكون من شأنها تشجيع وتمويل الابتكار مع تعزيز المواهب في قطاع الخدمات الرقمية. إننا نرى إمكانية هائلة حيث أن الأجيال الشابة مهيأة لتبني التكنولوجيات الذكية. وفي الوقت نفسه، فإن العوامل التي تستنزف الموارد العامة مثل ارتفاع معدلات البطالة واستمرار عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية وكذلك تدفق اللاجئين تجعل من الضروري علينا أن نغتنم كل فرصة من أجل إنشاء فرص اقتصادية أكبر للفقراء.

 تم نشر المقال الرئيسي بالإنجليزية على مدونة تابعة لمعهد الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز.


إليسا ماكارتر لابورد هي المديرة التنفيذية لمجموعة فيتاس ونائبة مدير التمويل الإنمائي لدى منظمة مجتمعات عالمية، حيث قامت خلال الإثني عشر عاما الماضية ببناء الإدارة الفنية التي تدير التمويل الأصغر وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وعمليات تمويل الإسكان لدى المنظمة.  لدى لابورد 18 عاما من الخبرة في مجال التمويل الأصغر وقد قضت ثمانية أعوام في العمل الميداني قبل التحاقها بمنظمة مجتمعات عالمية وبدأت بإدارة مؤسستين للتمويل الأصغر في كل من أرمينيا وتركيا، كما عملت كمستشارة فنية لما يزيد عن 12 مؤسسة تمويل أصغر في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. و قد قامت لابورد بتأليف كتابين عن اندماج مؤسسات التمويل الأصغر ، ولا تزال تقوم بنشر المقالات والآراء التي تغطي المواضيع المتعلقة بالشمول المالي. وهي حاصلة على درجة الماجستير من كلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون، ومعهد الدراسات السياسية بباريس، وتعمل حاليا كأستاذ مساعد بدورة دراسية على مستوى الماجستير حول الشمول المالي بمعهد الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكينز.

اترك تعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.