مدونة البوابة

كسر التحيّز: النساء هنّ الأكثر تضررًا من مخاطر التمويل الرقمي

بشرى أبرار، إمرأة في زي تقليدي، تستخدم هاتفها المحمول أثناء حصاد الخضار في قرية تشاكوال في البنجاب، باكستان. وقد قامت منظمة بودا غير الحكومية بتدريبها على الإستقلال المالي من خلال تعليمها هذه المهارة الحياتية. معظم النساء في هذه القرية لسن فقط متعلمات بل أيضاً مستقلات ماليًا.

عندما علِمت كابامبا أنّ لصوصًا اقتحموا منزل جدّتها وسرقوا النقود من غرفة نومها، عرِفت أنّ جدتها بحاجة ملحّة إلى المال، لأنها لن تتمكّن، من دون نقود في متناول يدها، من شراء الطماطم وبيعها في متجرها، وقد تضطر إلى إغلاقه. أرسلت كابامبا 1,000 كواشا زامبي (العملة المحلية لجمهورية زامبيا، ما يقدر بحوالي 60 دولار أميركي) عبر خدمة التحويل الرقمي، متوقعةً أن تصل الأموال في لحظات إلى جدّتها. ولكن بعد أن أرسلت كابامبا المال، تعرضّت جدتها لسرقة جديدة من نوع مختلف وأكثر غدرًا.

دفعت كابامبا رسم التحويل المصرفي الاعتيادي الذي بلغ 15 كواشا، ولكنها صُدمت عندما علمت أن جدتّها لم تتلق سوى 700 من أصل 1,000 كواشا. وأخبرتها جدّتها أنّ وكيل التحويل النقدي احتفظ بمبلغ 300 كواشا بمثابة "رسوم خدمة". طلبت كابامبا من جدّتها تحذير الوكيل من أنها ستبلّغ السلطات المختصة عن الحادث. وفعلاً، واجهت جدّة كابامبا الوكيل، فاعترف بما فعل وأعاد المبلغ المتبقي. ولكن بسبب هذا الحادث، لم تعد جدّة كابامبا تثق في الخدمات المالية الرقمية ولم تعد ترغب في استخدامها بمفردها من دون مساعدة من أقارب تثق بهم.

وهذا الإحتيال من قبل الوكلاء ليس إلا نوعًا واحدًا من أنواع المخاطر المتعدّدة التي يواجهها مستخدمو الخدمات المالية الرقمية، وخصوصًا النساء، في جميع أنحاء العالم اليوم.  وخلال العام الماضي، بدأت المجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء "سيغاب" بدراسة الطبيعة المتغيّرة لمخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكين منذ العام 2015. وبالاستناد إلى تصنيفنا الذي نُشر مؤخرًا تحت عنوان "66 خطرًا على المستهلكين من جراء الخدمات المالية الرقمية"، تبيّن أنّ المخاطر القديمة مثل الاحتيال من قبل الوكلاء تزداد سوءًا وأنّ مخاطر جديدة من نوع آخر تنشأ كل عام، والإناث من أمثال جدّة كابامبا معرّضات بشكل خاص لهذه المخاطر.

وهذا من شأنه أن يؤثّر بشكل كبير على الشمول المالي للإناث. فبالإضافة إلى التسبّب في صعوبات مالية، فإن تجربة أو سماع قصص الإناث اللواتي تعرّضن لمخاطر المستهلكين قد يثبط عزيمة الإناث ويمنعهن عن استخدام الخدمات المالية عبر الأجهزة المحمولة  والتي هي المحرّك الرئيسي للشمول المالي في العديد من البلدان النامية، لاسيّما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فالتجارب السلبية في الخدمات المالية الرقمية سترغم الإناث على العودة إلى آليات التمويل غير الرسمية، ما سيعكس كلّ التقدّم المحرز في الشمول المالي.

الإناث أكثر عرضة من الذكور لمخاطر الخدمات المالية الرقمية

تشير أدلّة جديدة إلى أنّ الإناث يتعرّضن بشكل عام لمعظم المخاطر الاستهلاكية التي حدّدتها "سيجاب" في تصنيفها.  على سبيل المثال، بيّنت دراسة أجرتها جامعة كولومبيا أنّ الإناث اللواتي يستخدمن الخدمات المالية الرقمية في أفريقيا وجنوب آسيا أكثر عرضة من الذكور للاحتيال السيبراني، وخاصة لحيل الهندسة الاجتماعية مثل الرسائل القصيرة والتصيّد الصوتي. وكشفت دراسة أخرى أُجريت في المناطق الريفية في غانا أنّ الإناث اللاتي يستفدن من الخدمات المصرفية عبر الأجهزة المحمولة يتعرضن نسبيًا أكثر من العملاء الذكور للاستغلال وسوء المعاملة. وثمّة أدلّة أيضًا تشير إلى أنّ الإناث معرّضات لسرقة هويتهن مرتين أكثر من الذكور ويتعرّضن لنسبة أعلى من المضايقات على شبكة الإنترنت مقارنة بالذكور.

جدول مستمد من تصنيف مخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكين في
المصدر: مستمد من تصنيف مخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكين في "تطوّر طبيعة ونطاق مخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكين: مراجعة الأدلة" (سيجاب 2022)

في عالم تتوفّر فيه الخدمات الرقمية للإناث بدرجة أقل من توفّرها للذكور، يتعرّض الإناث أكثر للتحيّز الخوارزمي نظرًا لأن الذكور أفضل تمثيلاً في مجموعات البيانات التي تستند إليها الخوارزميات.

المهارات الرقمية والمالية المتدنية لدى الإناث تجعلهن أكثر عرضة لمخاطر الخدمات المالية الرقمية

الإناث معرّضات أكثر لمخاطر الخدمات المالية الرقمية لعدد من الأسباب، أهمّها تدني مهارات الإناث الرقمية والمالية مقارنة بالذكور. 

تشير تقديرات وحدة الاستخبارات الاقتصادية إلى أنّ اتصال الذكور بشبكة الإنترنت في منطقة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا أعلى بنسبة 30% من اتصال الإناث. ففي كافة البلدان الـ 14 التي شملها استبيان العملاء الذي أجرته الجمعية الدولية لشبكات الهاتف المحمول "جي إس إم إيه"، أفادت الإناث، أكثر من الذكور، أنّ عدم معرفة استخدام الهاتف هي أحد الأسباب الرئيسية التي تمنعهن بشكل أساسي عن حيازة هاتف محمول.  كما تشير الاستنتاجات المستمدة من الدراسات المتعمّقة لست دول إلى أنّ الثقافة الرقمية والمالية لدى الذكور أوسع من ثقافة الإناث. وفي حين أنّ الفجوة العالمية بين الجنسين على مستوى الثقافة المالية هي 5% وفقًا لاستبيان الثقافة المالية العالمية لمؤسسة "إس أند بي"، إلاّ أنّ الفجوة أكبر بكثير في العديد من البلدان، المتقدّمة والنامية على حد سواء.

وفي سياق جائحة كوفيد-19، إنّ الفجوة بين الجنسين على مستوى الثقافة الرقمية والمالية عرّضت الإناث لنسبة أكبر من المخاطر.  ساهمت الجائحة في تسريع التحوّل الرقمي في العالم، وأدّت إلى ارتفاع كبير في الاحتيال الرقمي وأرغمت الإناث على استخدام الخدمات المالية الرقمية على الرغم من انخفاض مستوى مهاراتهن الرقمية والمالية.

الفجوات بين الجنسين في معدلات محو الأمية المالية

سأل مسح محو الأمية المالية العالمي من S&P في 2014 أكثر من 150000 بالغ في 148 دولة عن أربعة مفاهيم رئيسية في صنع القرار المالي: الحساب الأساسي، ومضاعفة الفائدة، والتضخم، وتنويع المخاطر. ويعتبر الاستطلاع أن شخصاً ما لديه معرفة بالقراءة والكتابة المالية إذا أجاب على الأقل على ثلاثة من أربعة أسئلة بشكل صحيح.
سأل مسح محو الأمية المالية العالمي من S&P في 2014 أكثر من 150000 بالغ في 148 دولة عن أربعة مفاهيم رئيسية في صنع القرار المالي: الحساب الأساسي، ومضاعفة الفائدة، والتضخم، وتنويع المخاطر. ويعتبر الاستطلاع أن شخصاً ما لديه معرفة بالقراءة والكتابة المالية إذا أجاب على الأقل على ثلاثة من أربعة أسئلة بشكل صحيح.
الرسم البياني: سيغاب
المصدر: بيانات مسح محو الأمية المالية العالمي من S&P على المستوى القطري شاركها البنك الدولي

وأحيانًا، تتفاقم المشكلة بسبب ضعف التواصل بين الحكومات ومزوّدي الخدمات المالية الرقمية من جهة وبين الوكلاء والعملاء من جهة أخرى. في إندونيسيا مثلاً، موظفو المصارف وميسرّو برنامج كيلووارجا هارابان لم يفهموا بشكل صحيح الحسابات التي تُستخدم لتلقي مدفوعات الحكومات إلى الأفراد. على سبيل المثال، كانوا يعتقدون أنّ "أي أموال متبقية في الحساب سيستعيدها المصرف"، وهذه المعلومات الخاطئة أفقدت ثقة العديد من الإناث في الحسابات بين الحكومات والأفراد. وللأسف الإناث لا يبلّغن دائمًا عن الحالات التي يحصلن فيها على معلومات خائطة أو عندما لا يتم التعامل معهن بشكل صحيح بسبب دعاوى الانتصاف المعقّدة.

ففي العديد من البلدان، تتفادى الإناث، بسبب الأعراف الاجتماعية، التفاعل بحريّة مع الموظفين الذكور ويمتنعن عن الاستفسار عن خصائص المنتجات. وفي بنجلاديش، وجدت مؤسسة التمويل الدولية أنّ الإناث يعتبرن أنّ الموظفات الإناث يتصرفن بشكل أكثر لياقة من الموظفين الذكور ويسهل التعامل معهن والوثوق بهن وهن أكثر حفاظًا على السرّية. إنّ كسر هذا التحيّز بشأن الفروقات بين الجنسين مهم جدًا لتعزيز الشمول المالي الرقمي للإناث ومساعدتهن على كسب المال، والحصول على الخدمات الأساسية، وحماية مستويات معيشتهن الأساسية.

تخفيف مخاطر الخدمات المالية الرقمية على الإناث بدعم من الجهات الناظمة والإشرافية والتمويلية ومزوّدي الخدمات

بسبب المخاطر على المستهلك، يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لضمان تحقيق نتائج إيجابية للإناث ومستخدمي الخدمات المالية الرقمية المستضعفين، وقد أُحرز تقدّم ملحوظ في هذا المجال في السنوات الأخيرة.  على سبيل المثال، أظهر استبيان صندوق النقد الدولي حول الوصول إلى الخدمات المالية أنّه بحلول شهر أكتوبر من العام 2021 أبلغت 71 من بين 165 ولاية قضائية عن بيانات مصنّفة حسب نوع الجنس، وهي زيادة بنسبة 10% عن الجولة السابقة.

كذلك، بدأ صانعو السياسات والجهات الناظمة يركّزون أكثر على مخاطر الخدمات المالية الرقمية، ومن المشجّع رؤية 28% من بين 43 مصرفًا مركزيًا شاركت في استبيان أجراه التحالف العالمي للشمول المالي مؤخرًا يدرجون بنودًا تتعلق بحماية المستهلك في الصكوك التنظيمية الخاصة بالخدمات المالية الرقمية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أنّ 8% من هذه المصارف عملت على تصميم إطار لحماية المستهلك في الخدمات المالية الرقمية، و12% منها تنظر في قضايا المخاطر بحسب نوع الجنس.

إلى ذلك، اتخذت جهات تمويلية متعدّدة خطوات استباقية لتعزيز الوصول المسؤول إلى الخدمات المالية الرقمية واستخدامها. على سبيل المثال، وضعت شركة التمويل الدولية، بالتعاون مع مؤسسة "سي دي سي" لتمويل التنمية في المملكة المتحدة، والمصرف الألماني للتنمية والاستثمار KfW، وشركة جودوال انفستمنت، و50 فردًا مفوّضًا بالتوقيع من بين المؤسّسين، المبادئ التوجيهية للمستثمرين للاستثمار المسؤول في الخدمات المالية الرقمية. ولكن، لا يزال يتعيّن التركيز أكثر على توزيع البيانات بحسب نوع الجنس.

بهدف تحسين البيانات المصنّفة بحسب نوع الجنس وتخفيف مخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكات، نقترح ما يلي:

  • يمكن للجهات الناظمة والاشرافية أن تطلب من مزوّدي الخدمات المالية الإبلاغ عن بيانات المخاطر على المستهلكين على أن تكون مصنّفة حسب نوع الجنس. كذلك، يمكنها مراقبة المخاطر بحسب الجنس باستخدام الأدوات الموضّحة في مجموعة أدوات مراقبة السوق التابعة للمجموعة الاستشارية لمساعدة الفقراء "سيجاب"، مثل التسوّق المستتر، والمراجعات الموضوعية، والاستبيانات عبر الهاتف. وفي دراسة أجرتها الداعية الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة لشؤون التمويل الإنمائي الشامل في عام 2020، تبيّن أنّ البلدان التي لديها خبرة أكبر في جمع البيانات الموزّعة على أساس نوع الجنس وضعت سياسات مالية بحسب نوع الجنس. هذا وأنّ تجميع بيانات مخاطر المستهلك سيساعد الجهات الناظمة والاشرافية على تصميم لوائح تنظيمية مناسبة لحماية المستهلك تعمل على تعزيز الشمول المالي للإناث.
  • تستطيع الجهات التمويلية تمويل البرامج التي تساهم في رفع أصوات الإناث. على سبيل المثال، تستطيع أن تدعم جمعيات المستهلكين التي تعاني من نقص مزمن في الموارد. وقد ساعدت بعض جمعيات المستهلكين على تعزيز القدرة المالية لدى الإناث، ووضع مجلس المستهلكين في زمبابوي برامج تعليمية مالية تضمّ 4,000 امرأة من خلال أندية عمل للمستهلكين، ودعمت الجمعية الدولية لوحدة وثقة المستهلكين 84,000 امرأة بأنشطة تعزّز الثقافة المالية، في حين قدّم مجلس المستهلكين في فيجي خدمات استشارية مالية للإناث. ويمكن للجهات التمويلية أيضًا أن تروّج للبرامج التي تسعى إلى تعزيز الثقافة المالية والرقمية لدى الإناث.
  • يمكن لمزوّدي الخدمات اتباع نهج أكثر تركيزًا على العملاء مع الإناث. وقد يتطلب منهم ذلك أن يعمدوا إلى تكييف ثقافتهم ونماذج العمل لخدمة الإناث بشكل أفضل. وعلى أقل تقدير، ينبغي أن يفهموا احتياجات الإناث بشكل أفضل من خلال، على سبيل المثال، إجراء البحوث للحصول على معطيات حول المستهلكين وتحليل بيانات العملاء الداخلية. في بنجلاديش مثلاً، ساعدت إعادة تصميم تطبيق شركة جرامينفون GPAY لفواتير الخدمات العامة وتعبئة رصيد خط الهاتف المحمول، في تبسيط واجهة المستخدم، ممّا سهل على الإناث الأقل دراية بالتقنية الرقمية استخدام حل الدفع.

ومن خلال هذه الخطوات، سنساعد الإناث، مثل جدّة كابامبا، على استخدام الخدمات المالية الرقمية لتحقيق نتائج مالية إيجابية.


لمزيد من المعلومات حول مخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكين والتوصيات الإضافية حول الحدّ منها، راجع تقرير "سيغاب" الجديد، "تطوّر طبيعة ونطاق مخاطر الخدمات المالية الرقمية على المستهلكين: مراجعة للأدلة".

التعليق

يقوم فريق تحرير البوابة بمراجعة وإدارة نشر التعليقات. نرحب بالتعليقات التي تقدم ملاحظات وأفكار ذات صلة بالمحتوى المنشور. تعلم المزيد.

محمد عزيز عبدالله الرعادي , بنك اليمن والكويت , اليمن
07 أكتوبر/تشرين الأول 2022

معلومات ذو قيمة عالية .

مشكورين جدا

EdyS , بوابة الشمول المالي للتنمية
10 أكتوبر/تشرين الأول 2022

شكراً على التعليق سيد محمد عزيز عبدالله الرعادي. يسرنا جداً أنكم تجدون المحتوى مفيداً.

اترك تعليق